الكبار..الصغار




الكبارُ..الصغار             

بقلم / موسى إسماعيل الفقي       

  المسئول الصغير الذي فتح الله عليه وأصبح مسئولاً كبيراً ، كان في يوم من الأيام (مننا وعلينا ) ، وأيامها كان يتكلم عن مشاكلنا  نحن الصغار والمهمشين  ويحمل هذه المشاكل على كاهله صباح مساء ( رايح جاي بيها ) ، يدفع بها إلى الواجهة في كل مجلس ومنتدى ، وصار هو معروفاً بها وصارت هي معروفة به ، فأصبح أباها وراعيها ..

 -   لكنه الآن بعد أن صار مسئولاً كبيراً ووصل إلى أبراج الكبار - ربما رشوه بترقية ليصمت -
وصار واحداً من الأعيان ووجوه القوم ، تغيرت أولوياته وتبدلت حساباته ، 
 أنعلوا خيله نضاراً ليفنى .:. سيد الفقر تحت أذيال نعمى
فألقى عن  كاهله كل تلك المشاكل (السخافات) ، وأعطانا ظهره وولى هارباً لأجواء مضمخةٍ بالعطر والمكر ، وراح يبحث لنفسه عن مغنمة بين الكبار ، وصداقات تؤدي إلى علاقات ، ومصاهرات تؤدي إلى مشروعات ، عاملاً بمنطق (إن جه الطوفان حط ابنك تحت رجليك) .

     وفي غمرة تلك التحولات ، يؤلف لنفسه نسباً وصهراً ، ويدبج أساطير من أوهامه وطموحاته ، ويضيف إلى أمجاده ما شاء من خيال الطفولة  وأحلامها ، ويدعي لنفسه بطولات وصولات وجولات ، وليس بين أقرانه الجدد من يكذبه أو يصدقه ، فمعظمهم   -  إن لم يكن كلهم  كذوب .. 

    بعض من أصدقاء الأمس ( من  المخلصين إياهم !!؛ الصغار الذين صاروا كباراً (من غبطة أقولها وليس من حسدٍ) - إذا لقي واحداً من أمثالنا - نحن الصغار جداً ، قال له من أعالي برجه العاجيإزيااااك ) ومط  في حرف الياء في تعالٍ فج !!؟؟) فيقول العبد الفقير في نفسه في تحسر مكتوم : أين التواضع يا مسلمون ، وهل هذا من الأخلاق التي تعلمونها لأبنائكم ؟؟          

  والمشاكل ما تزال تحاصرنا (نحن الصغار)، ويتداولها الصغار الذين يكبرون فينسونها ، فتكبر المشاكل وتتعملق ، وتجاوز حجم الجبال .

  لقد أصبح لأصحابنا حساباتٌ في البنوك ، بعد أن كانت في بيوت الفقراء وحواريهم ، وأصبح الحرام والحلال عندهم في اقتصاد السوق ، بعد أن كان في بيوت الله ، وأصبح المظهر الاجتماعي عنده ، أوفىَ من كل جوهر .

    والمسكوت عنه في كل ذلك ؛ هو الحقيقة التي لا تعرف النور ، وتظل حبيسة الصدور لا يعريها إلا المخلصون. 

    لستُ ضد أن يجتهد الإنسان ويطور نفسه فهذا مشروع لا ريب فيه ، وأن يسعى على عياله ويكفيهم من جهده وعرقه ، لكن أن تتوارى القيم والثوابت تحت أنقاض المغانم والدنايا ؛ أو من أجل مشروع الاستحواذ على الآلاف والملايين ، فهذا غير مشروع وغير مبرر إلا إذا كنا في غابة ، وهذا ما يجري حالياً مع الأسف .

  
  الفقر والاستبداد ؛ أينما وجدت الاستبداد وجدت الفقر بجواره كالأيتام على موائد اللئام ، الفقر والاستبداد .. لا أدري ما الذي يجعلني خائفاً من استخدام هذه الكلمات ، رغم أنها مصطلحات لواقع يكتم أنفاسنا ويجثم على صدورنا   -في مجتمعاتنا العربية منذ قرون وما تزال ،

     حدثني بعض الإخوة ، أن سيدة ذهبت مؤخراً تشتري كيلو أرز من البقال ،  فطلب منها   : أربعة جنيهات ، فجلست تبكي بجوار المحل ؟! وكأنها قد مات لها عزيز - قال عليٌّ كرم الله وجهه : ((ماجاع فقير إلا بما منع غني)) في زمن الكبار الصغار . 

0 التعليقات:

إرسال تعليق