محنة الكـتابــة

محنة الكـتابــة
بقلم / موسى إسماعيل الفقي
 هناك علاقة بين الكتابة والاكتئاب ؛ علاقة مصدرها فعل الكتابة قبل فعل اللغة ، فالفعل  « كتب » يأتي بعده «اكتئب» أو «كئب» ، فالفعلان من جذر لغوي واحد ، مثلما كشف الأستاذ العقاد – رحمه الله – عن العلاقة بين الفكر والفقر لقرب مادتهما اللغوية ، ولم أعرف كاتباً كبيراً كان أو صغيراً إلا وجدت للكآبة عمل غير قليل في حياته ، فعملية الكتابة ليست هينة أو ناعمة ، فالكاتب يعاني بعد كل كتابة كما يعاني قبلها ، فقبل الكتابة مهموم بأن ينقل ما يشعر به أو يراه دون تزييف  ، وبعد

الكتابة مهموم بتجويد ما يكتب للوصول إلى قلب وعقل قارئه ، والكاتب مؤاخذ في الكثير مما يكتب ، فإن قدم ما هو بديهي وموضوعي ؛ قال البعض : لم يأتِ بجديد وإن قال ما هو جديد وصادم ، قال آخرون : هذا خروج عن جادة الصواب ! ، والكاتب لا يستطيع أن يكون حيادياً إذا كانت الحقيقة تتطلب ذلك ، وقد يُغضب اليوم فئةً من الناس ويرضيهم مرة أخرى دون أن يدري ودون أن يقصد ، ولأنه يبحث عن الحقيقة فإن أعداءه أكثر من أصدقائه ، ولأنه لا يستطيع أن يرضي الجميع ، أو لأن الجميع لا يقرأون أو لا يجتهدون لاكتشاف ما بين السطور ، فليس كل من قرأ ؛ يجيد القراءة ..
***
    ويعيد الكاتب النظر في مقاله مرات ومرات ، وفي كل مرة يبذل مجهوداً مضاعفاً للوصول إلى قارئه ، ولتحييد قارئ دون آخر ، أو لمناورةٍ ومواربةٍ تجنباً لإثارة البغضاء لدى بعض الناس وهي مسألة تحتاج إلى كثير من الفن والصبر . الكتابة مأساة ، لأن معظم الناس يتعامل مع النقد بعداوة شديدة ، خاصة إذا كان يمس مصالحها ، أو طوائفها المهنية أو الوظيفية أو الاجتماعية ، وقليل من الناس من يفكر فيما يقرأ بتجرد وحيادية ، وقليل منهم من ينتصر للحق كان له أو عليه ، 
 
  الكتابة سلطة ؛ تأخذك - على حين غرة – لتضعك على طريق تراه ناعماً في البدء فإذا به كهف  موحش معزول عن العالم ، الكتابة فخ مغرق في التخفي ، يصيدك وتحسب أنك من صاده ، يمتلك أمرك ويقودك كأنك مغمى عليك ..  الكتابة محنة قبل أن تكون امتحاناً ..
                                                    
*****
إبداع    
   دَعِينِي وَحِيدًا ، أُحَدِّقُ في لوْحَةٍ جامدة
دَعِيني .. فَحُزْنِي طَرِيٌّ ، وأنتِ ثَقِيلةُ عِطْرٍ ، ولي رِئَةٌ واحِدَهْ  ،
وأنتِ خفيفةُ ظِلٍّ ، ولي جُثَّةٌٌ مِنْ أَسًى خامدة !      (الشاعر الفلسطيني/ هلال الفارع)

0 التعليقات:

إرسال تعليق