الأستاذ / كمال المالكي (رحمه الله)


- رجالٌ عرفتهم : عمنا الكبير الأستاذ / كمال محمد المالكي (رحمه الله)
 
بقلم / موسى إسماعيل الفقي
هل يكفي أن نذكرك الآن .. هل يكفي أن نستحضرك بعرس الكلمات .. يا صاحب الأحلام الكبيرة ، فقد كنت واحدًا من عشاق تراب هذا الوطن ، واحداً من كبار الحالمين بمستقبل مشرق لمصر وشعبها .. يا من كنت تنفخ فينا أجنحة وحياة .. تنفخ فينا نحن الشباب جدية وروحاً متوثبة طموحة للعلا والتفوق .. لم تكن تعرف السكون  .. تجاوزتَ الثمانين من عمرك وأنت في حركة دائمة ، لم يمنعك وهنُ عظامك وخفوت صوتك من الحركة والنشاط  .... كنتَ تقاوم السكون بكل ما تملك .. تتصل بي في أوقات مختلفة من ليل أو نهار : تسألني عن أشياء لم أكن أتوقع أن شيخا في مثل سنك
يسأل عنها : تقول لي مثلا : أين أجد الهمزة تحت الألف على لوحة المفاتيح (الكي بورد) .. لم أكن أصدق أن شيخا في الثمانين يوزع أعداد مجلة سرس الليان بنفسه .. شيخا في الثمانين يسبقنا إلى جميع المناسبات الاجتماعية .. إلى طنطا لمراجعة المجلة .. إلى شبين الكوم لمتابعة شئون الجمعية ومبنى مقرها وحوارات مع المسئولين ..
¤¤¤
 كنت أقول لك : نحن نكفيك تلك الشئون ، فترفض .. كم خضت من المعارك مع المسئولين بالمحافظة دفاعاً عن مبدأ .. كم قاومت من سرطانات البيروقراطية في كل موقع لتعلمَنا الدروس .. أقول لك : أنت تفتح جبهاتٍ كثيرة علينا .. يكفينا جبهة واحدة .. تقول في صلابة : هوِّن عليك يا فتى .. لا تخف إلا الله .. الآن نذكرك وكلنا إيمان بأنك كنتَ صلباً عنيداً في مواجهة الباطل .. يتأكد لدينا أنك كنت مناضلاً لا يبارى.. يتأكد لدينا أنك كنت من العاملين بحق .. العالمين بحق .. المجاهدين بحق .. لقد كلت قوانا - نحن الشباب - ولم نقو على إصدار عددين من المجلة .. كيف استطعت أنت أن تحتوي كل خلافات المجتمع معك ؟؟ أن تشق الطريق وتجتاز العقبات وتواجه جبال المتربصين بالنجاح والناجحين .. !!؟؟
¤¤¤
   يتراجع رصيدنا - ونحن الشباب - إذا قورن بواحد في المئة من جهودك المتواضعة وخبراتك الموسوعية.. تكتبُ فإذا أنت الكاتب الساحر العارف بجمال اللغة وحدود معاني المفردات . الخبير بالواقع حين تقرأه بفراسة المؤمن .. كنت أرى فيك كاتباً من كتاب الصف الأول . وأراك نسيج وحدك في كتابة المقال وصياغة العبارة.. لم تطلب من أحد أن يتشبه بك . أو أن يكون نسخة منك . 
 ¤¤¤
ذات مرة سافرت بصحبتك إلى طنطا ، فرأيتُ فيك نشاطا وأنت في الثمانين لم أره في ابن الثلاثين ، تعبتُ أنا من التجوال ولم تتعب أنت .. أقول لك هذا يكفي ، لنجلس هنا ؛ تقول : تعال .. هنا مقهى يقدم شاياً لذيذاً .. وهناك محل حلويات يقدم أطباقا شهية ، لم تكن تأكل إلا القليل ؛ ولكنه إكرامٌ للصُحبة كعادتك ... رأيتك على فراش المرض تقاوم حتى النفس الأخير ، تصر على أن تطمئن على توزيع عدد ( الوداع ) المجلة الذي راجعته بنفسك .. تمسك القلم بيديك النحيلتين وتصدر التعليمات ، وتعلمني ما يجب أن أفعل ، أقول لك : إنك متعبٌ ، أشفقُ عليك ، لكنك تصر على توجيهي .. تطلب مني أن أضع وسادة خلف رأسك .. تعتدل قليلاً ثم تقول في صوت واهن : ستجد على الكمبيوتر مستندات معنونة بكذا وكذا ... هاتها .. أعلم أن هذا يريحك ، أظل صامتاً وألبي ..
- هل يكفي أن أذكرك الآن .. 
هل يكفي أن نستحضرك بعرس الكلمات . 
أحسب أنه لا يكفي .. 
في كل مكان لك عرسٌ ومثالٌ يستحضرك بقوة .. 
في كل مناسبةٍ حاضرةٌ أفكارُك وتجاربُك الحرة ..
في كل مكان يأتينا صوتك أشجاراً مثمرةً وسماواتٍ ثرة ..
ها نحن نحقق شيئاً مما كنت تحب .. 
بعضاً من أشواق بُنياتِ فؤادِك .. 
بعضاً من أورادٍ كنت تغنيـها بين الأصحاب .. 
ها نحن نحقق من أحلامك ثورة .
نشر بمجلة سرس الليان 

0 التعليقات:

إرسال تعليق