بين البرد والأناقة


بين البرد والأناقة
 بقلم / موسى إسماعيل الفقي
     أن تخاصم الأناقة  ثلاثة أشهر أو أربعة في  كل عام  طائعا مختارا , خير لك من أن تفارقها  قهراً الدهر كله ,
     فمن السلوكيات المذمومة في حياتنا المعاصرة  عدم اتقاء البرد بالشكل الجيد ؛  مع أن ذلك ممكن لكل الطبقات ... فبإمكان الفقير أن يجد من القديم البالي ما يستر به نفسه من شدة البرد -  فيلبس منه ما شاء  تحت ما يصلح  من ردائه ويبالغ في ذلك ما استطاع , فالمبالغة في الدفء محمودة وليس فيها ما يعيب  , والعامة تقول { الدفا  عفا } أي أن العافية في كثرة الدفء ،
  وحاجة الجميع على السواء للدفء ضرورية جدا تفوق الحاجة للماء والطعام , فالجائع إذا كان يشعر بالبرد فحاجته للدفء تسبق حاجته إلى الطعام , لأنه إن أكل وهو بردان فإن الطعام لن يهضم لأن الجسم بحاجة ماسة إلى الدفء لكي يقوم بوظائفه , وفي تلك الحالة فإن طاقته تتحول كلها لدفع البرودة عنه فلا تتوفر له طاقة لهضم الطعام , وعليه فسوف يعاني هذا الشخص من سوء الهضم  واضطرابات أخرى من جراء ذلك .. والمريض إذا كان يشعر بالبرد فحاجته للدفء تسبق حاجته إلى الدواء , لأن الدواء لن يصلح من دائه والطاقة موزعة بين دائه وبرودته  ..
    أقول إن الصغير والكبير على السواء يحتاج للدفء والمبالغة في ذلك من المحمودات , وإذا كان البرد يضر بالصغار ضررا كبيرا , فإنه يضر بالكبار أشد الضرر وقد قال الشاعر :
إذا كان الشتاء فأدفئوني  .. فإن الشيخ يهرمه الشتاء
    وكان بعض أصحابنا لا يستطيع أن يستذكر  دروسه شتاء إلا على أنغام موقد الكيروسين ( الوابور )..
  فليس من المنطقي أن يتخفف البعض من اللباس ويكتفي بالقليل منه ؛  بحجة الأناقة وحسن المظهر -  فإن سلامة الصحة في غياب الأناقة , خير من أناقة عاقبتها اعتلال الصحة والأناقة معا ..
    ولقد جربتُ في حياتي الكثير من أشكال الملابس ؛ فما وجدت أنسب للجسد وأحفظ للصحة وأقرب للطبع الإنساني من ملابس الآباء والأجداد ، فقد كانوا يلبسون الصوف صيفا وشتاء .
vvvv
    وقد حذر النبي الكريم [ صلوات الله وسلامه عليه ] من البرد فقال : ( اتقوا البرد فإنه قتل صاحبكم أبا الدرداء )   ، وينصح أهل الخبرة بتدفئة الأرجل والأقدام بالجوارب الصوف الثقيلة ( اللكلوك ) أو  الخف
 ويُعرف عن الأستاذ/ العقاد أنه كان يلبس الصوف صيفاً وشتاءً وقد تحير  ــ  رحمه الله  ــ وهو ذاهب إلى مكة للعمرة : ولكن كيف السبيل إلى الإحرام؟ وكيف السبيل إلى خلع المخيط في الشتاء، وإن كان الجو في مكة أدفأ من جو القاهرة بدرجات ؟ ، يقول في ذلك :
إنني ألبس الصوف شتاء، وصيفًا منذ خمس وعشرين سنة، وإذا صح أن "الصوفي" منسوب إلى الصوف، فليس على ظهر الأرض رجل أحق مني بهذه الصفة، فكيف السبيل إلى التحلل من هذه الصفة التي لصقت بالموصوف، فلا فكاك منها ولا فرار ؟  - ويعتقد توماس كاريل صاحب ( فلسفة الملابس ) أن الإنسان لم يهتد إلى ارتداء الملابس برغبة طلب الدفء، ولا حتى بداعي الستر، وإنما حباً في الزينة، وأنا أخالفه الرأي ، لأن الإنسان البدائي لم يكن ليهتدي إلى قيم التزين قبل أن يتقي قسوة الطبيعة من حوله .  
ويقول بعضهم : " ما من إنسان إلا يضع شيئاً من نفسه في ملابسه.. فإن كان ممن يعتنون بها ففي تلك العناية دليل على ذوقه وخلقه وتفكيره، وفي بزته الظاهرة عنوان لما يخفي عنك من نفسه وقلبه ... ،   فكأنما تنطق ملابسه في صمت وبداهة بما ليس تنطق به الملابس التي يطول فيها التحضير والانتقاء ويكثر فيها التدبير والاحتفاء، وربما كان سر انصرافه عن تجميل نفسه أنه مشغول بالجمال في كل ما عداه من الأناسي والأشياء،وربما كان جميل النفس ولكنه غير بصير بصناعة التزيين والتحسين إذ البون بعيد بين أن يكون المرء جميلاً في الخلق والخليقة وأن يكون هو مخترعاً للجمال. "
نشر بمجلة سرس الليان عدد يونية 2007م 
-------------- http://hekmtsirs.jeeran.com

0 التعليقات:

إرسال تعليق