داخل المشهد


داخل المشهد

      معظم الناس يشكو   من الحكومة ،  ومن جور الحكومة  ،  وفساد الحكومة  ،  ولكن هؤلاء الناس  لا يرون أنفسهم  داخل المشهد  ،  فمن هؤلاء الناس ؛ الموظف  والمهندس والمدرس  والطبيب  وعامل النظافة .
      وكلما تنقلتُ بين المجالس فلا أجد  غير الكلام عن فساد الحكومة ومفسديها ..
    فإذا سألتَ أحدَهم عن سر غضبه وشكواه من  الحكومة - حدثك عن مظالمه الكثيرة ، وتأخره في الترقية وحقه في البدل الفلاني ، وحقه في العلاوة الفلانية ، وحقه في الحوافز ، فإذا سألته عن الواجب الذي عليه -  هل أداه كما يجب أن يؤدَّى ؟  تململ وتعلل بعلل ٍ كثيرة لا تمنع شخصاً منصفاً أن يقوم بواجبه كما يجب .. والحقيقة أن الذين يكثرون الشكوى من الحكومة ( عَمّال على بطال ) ، أكثرهم لا يقوم بالواجب الذي عليه كما يجب ..!! 
***
   ومن تجاربي أنني رأيت عامل نظافة من إخواننا  ؛ يقف أمام أحد كبار المسئولين يطالبه بثقةٍ  وبملء  فيه ؛  بحق  ابنه في الدخول للمدرسة الثانوي بمجموع أقل ، أسوة بمدارس البلاد المجاورة ، وقلت في نفسي : هذا حقه ،  ثم رأيت نفس العامل مرة أخرى يقف أمام  أحد رؤساء المدينة يطالبه بحقه في بدل المخاطر ، وقلت : هذا حقه أيضا ؟ ، ثم رأيت نفس العامل مرة ثالثة يقف أمام أحد الأطباء يجادله من أجل الحصول على حقه في الدواء ، وقلت : هذا حقه بغير أدنى شك ، وقد حصل  صاحبنا  هذا على معظم حقوقه 
     ثم رأيت هذا العامل- نفسه -  على مدى أعوام يجلس في  طريق أسلكه - كل صباح -  لا يقوم بواجبه المكلف به ؛ بل يجلس ويضع مكنسته بجواره بالساعات يدخن سيجارة أو يشرب شاياً  ولا يستحي حتى وإن جاءه المكلف بمتابعته
***
وحينما أعود من عملي بعد الظهر ، أرى أكوام القمامة التي رأيتها في الصباح ما تزال في مكانها لم تمد لها يد  ؟؟!!  ورأيتُ – كذلك - بنفسي كثيراً من الموظفين والمدرسين وغيرهم من المواطنين  الذين لا يؤدون ما عليهم للغير من واجبات ؛ لأنهم لا يرون أنفسهم  جزءاً  من  الصورة ويشغلون أنفسهم -  فقط -  بمن سرق ، ومن دبر  ،  ومن  ومن ، بلا نهاية  ..
     ولو أنهم دققوا النظر جيداً لرأوا أنفسهم جزءً من المشهد ، فإن كان هناك فساد – حقاً –  فقد ساهموا فيه بقدر ، وليس من المنطقي أن يقول بعضهم : إنما أسرق لأن فلانا سرق ، أو أفسد لأن فلانا أفسد ، بل من الإصلاح أن نقول كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يكن أحدُكم إمعه ؛ يقول : إن أحسن الناس أحسنّا, و إن ظلموا ظلمنا , و لكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا , و إن أساءوا أن لا تظلموا ) ، ومن أقوال عبد الملك بن مروان في ذلك: ما أنصفتمونا يا معشر الرعية ، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر ، ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم .. !!
***
        إن أمر هؤلاء الناس عجيب  ،  أرجوكم .. قولوا لهم :  قوموا بالواجب الذي عليكم  أولا  ، لأنه  حق   لغيركم ، وبعد  ذلك  طالبوا  بحقوقكم  كاملة  غير منقوصة  فـ (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأماناتِ إلى أهلها   وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) .
****
نشر بمجلة سرس الليان عدد يونية 2007م

0 التعليقات:

إرسال تعليق