الصُّورة فَورية جداً

الصُّورة فَورية جداً
 
                                                   بقلم / موسى إسماعيل الفقي  
- أشرع أحيانا في تكوين صورة أو انطباع ما , عن شخصٍ ما دون التواصل الفعال , والالتحام المباشر معه , لكن سرعان ما أتراجع عن ذلك متهماً نفسي بعجالة النظر , فلا يصح الإعتماد في ذلك , على اللقاءات السريعة أو المواقف العابرة , أو سوء التفاهم , أو على السمعة المنقولة عبر الغير , لأن هذه الصورة , ستكون - بغير شك - صورة مغلوطة , وسوف يؤدي ذلك , وفي أغلب الأحيان إلي ما لا تحمد عقباه , ويفوّت على الإنسان مكاسب كان بإمكانه ألا يخسرها , فإن لم تكن ثمة مكاسب تحصّل , فستنأى به عن خسائر مؤكدة , وهذه المكاسب أو الخسائر تساهم في سلوكيات الفرد – سلبا وإيجاباً - على المستوى النفسي والمادي , وقد حذر الموروث الشعبي من ذلك : ( لا تذم ولا تشكر - إلا بعد سنة وستة أشهر ) ,

و ... كثير من ذلك يحمل في طياته , التحذير من الحكم المسبق أو الانفعالي على ما يدور فيما بيننا ؛ من التصرفات والحماقات وزلات اللسان , والتي تواجه الفرد في كل لحظة يعيشها , ويحمّلها البعض ما لا تحتمل من تأويلات دون دليلٍ ؛ قوامه الخبرة والتواصل الفعال , وفي هذا المنحى يقول سيدنا علي كرم الله وجهه : " أحبب حبيبك هونا ما , فعسى أن يكون بغيضك يوما ما , وأبغض بغيضك هونا ما , فعسى أن يكون حبيبك يوما ما ", وهي دعوة للتأني في الحكم على الأشياء - وقد قال الشاعر العربي في ذلك : ستبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ


*****

- وهذا من جهة أخرى يقود إلى مستوى آخر ؛ هو أن تتكون صورة مغلوطة لك لدى الآخرين , وقد يكون لذلك دخل ؛ إما بسلوكياتك أنت - أو بالطبيعة النفسية للطرف الآخر ؛ والذي قام بتكوين تلك الصورة عنك , وأنت في الحالتين مطالب بأن تكون أكثر حصافة ووعياً : - ففي الحالة الأولى : أنت مسئول في أن تكون محدداً جداً لكل سلوك تسلكه بحيث يكون واضحا فيه القصدية الحقيقية من ورائه , ولا تترك الفرصة تمر ؛ حتى تشرح للطرف الآخر ما يجب عليه فهمه , ولكي لا يفهم هذا الآخر شيئا غير الذي تقصد إليه - فتخسر علاقاتك معه بسبب سوء فهمه , يعني أن تكون مرسلاً جيداً , ومستقبلاً جيداً أيضاً .. - وفي الحالة الثانية ؛ وهو أن يكون الطرف الآخر ذا طبيعة غير سوية , فأنت مسئولٌ - أيضاً– عن الطريقة التي تعالج بها الأمور معه - ولا يجب أن تعفي نفسك من المسئولية - فلا يجب أن تعامله معاملة الأسوياء , بل يجب أن تتجاوز عن كل زلاته , وتذكر دائما قول القائل : منْ ذا الذي ما ساء قط ... ومنْ له الحسنى فقط ؟! فإذا لقيته فتواضع وتناسى وذكّره بحسناته وبالغ في ذلك ؛ فإن في ذلك دواءً له , ولا تذكّره بسيئاته , فإن ذلك يغضب الأسوياء , فما بالك به ؟! , وبذلك لا تجعل فتقاً يقع - فيؤثر في العلاقة القائمة وإن كانت ضئيلة - إذ أن ذلك سيعود على الجميع بالضرر المبين .

*****

والمسألة لا تكاد تنتهي - فهناك مستوى آخر لا بد من الوقوف عليه ؛ وهو أن هذه الصورة الفورية - الخادعة أو الخديعة - لو قدر لها أن تصمد لبعض الوقت , فسوف تنهار أمام عينيك عند أول اختبار حقيقي , وتسقط عنها القشرة الزائفة ؛ لتحل محلها صورة جديدة وواقع جديد , وسيان : أكان الآخر هو من شيدها بذكائه ومكره فخدعك بها , أو بنيتها أنتَ في عجالة وانخدعت بها , أو أحاطت كلَّ ذلك ظروفٌ ومعطياتٌ - أنت بريء بها أو مدان , لكنك كنتَ طرفاً فاعلاً فيها ومسئولاً عنها .. وكلما جال بك النظر , ظهرت لك مستويات أخرى؛ من بينها مثلا : أن تتحجر صورة لك لدى الآخر لا صلة لك بها , وتصبح سدا صخريا منيعا يحول دون أي حوار أو تقارب يذكر , وهنا لا داعي لليأس - ما دمت تحافظ على عدم اتساع تلك المسافة من البغض , وتصرّ على تغيير الثابت لديه ؛ وتحريك المياه الراكدة ؛

وصدق رب العزة - جل وعلا - {{ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }} فصلت / 34 . غير أن تشكيل الصورة وأساليب الحكم على الغير , يختلف من إنسان لآخر , ويعتمد على قدرة الفرد في الاستفادة من تجاربه , وكثرة تلك التجارب , كذلك تتدخل الحالة النفسية للشخص في تشكيل الصورة الفورية ؛ وكما يقول الشاعر :

كن جميلاً , ترى الوجود جميلا .. ولكل ذلك حساباته عند أولي الألباب.

****

0 التعليقات:

إرسال تعليق