الشهادات والموهبة
بقلم / موسى إسماعيل الفقي
- الذين حكموا العالم في القرن العشـــرين ( كلهم ) لم يكونوا محظوظين في المدارس ولم يحصلوا على شهادات جامعية ، ومنهم من لم يحصل حتى على شهادة متوسطة ، فمعظم المفكرين والمخترعين والمؤلفين في العالم لم يكملوا تعليمهم، ومِن بينهم مَن استعان ببعض الدورات المتخصصة أو القراءة والبحث الجاد في أمرٍ يحبه ويميل إليه حتى وصل إلى تحقيق طموحاته ، وللأستاذ الكبير / أنيس منصور مقال بعنوان ( هل العبقرية تجئ من الخروج على المدرسة ) ، وعلى موقع مؤسسة نوبل مقال بديع عن كراهية عدد من الفائزين بالجائزة للمدرسة والتعليم المدرسي.. ويرون أنهم ثاروا عليها في سن صغيرة وأكملوا دراستهم وعلومهم في بيوتهم :
***
يتقدمهم شاعر الهند طاغور الفائز بجائزة نوبل في الآداب سنة 1913..وآينشتاين الفائز بنوبل في الفيزياء سنة 1921.. وبرنارد شو الفائز بنوبل في الآداب سنة 1925.. ورامان الهندي الفائز بنوبل في الآداب سنة 1928.. والفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل الفائز بنوبل في الأدب سنة 1950.. والزعيم تشرشل الفائز بنوبل 1953.. وريتشارد فينمان الفائز بنوبل في الفيزياء سنة 1965.. وساخاروف الفائز بجائزة نوبل في السلام سنة 1975.. وانوبترناس الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء سنة 1978.. وشاندر شيمار الهندي الفائز بنوبل في الفيزياء سنة 1983.. وكارلتون جودجك الفائز بنوبل في الطب سنة 1976، وكذلك الفيلسوف الدانمركي كركيجور أبو الفلسفة الوجودية.. أما رأي هؤلاء العباقرة فمتشابه تماما.. وهو أن المدرسة تنفرد بالصغار البسطاء وتفسد استقلالهم الفكري ، وتضع عقولهم في قوالب جامدة.. وأنها لا تشجع على نمو الشخصية وقدرتها على الإبداع.. وان المدرسة لا تطلب من الصغار الأبرياء إلا الانضباط والوقوف في الطابور.. وان يكونوا نسخة واحدة.. فكل الإبداعات تتولد خارج المدرسة وليس الخروج عليها !
** ويأتي كذلك على رأسهم ( كمثال وليس حصراً ) :
** توماس أديسون: الأصم الذي لم يدخل المدرسة سوى ثلاثة شهور، منعته أمه بسبب توبيخ المعلم له ، وقامت بتعليمه في البيت ، وهو أكبر مخترع ( صاحب الألف اختراع) ، من بينها المصباح الكهربي .
** العقاد : حصل على الابتدائية ، ويتفق المفكرون على أن العقاد كان أحد أهم مفكري القرن العشرين بلا منازع ، وقد كره طوال عمره الجامعات والجامعيين كما يقول الأستاذ/ أنيس منصور .
** هتلر : لم يحصل على الثانوية العامة ، ولا يختلف اثنان على أنه كان عبقرية عسكرية لا نظير لها ، في انتشال ألمانيا من ديون الحرب العالمية الأولى وتشييد الآلة العسكرية الألمانية التي قهرت أوروبا .
** عمر المختار : تلقى تعليمه الأول في الكتاب ، ولم يكمل تعليمه كما تمنى ، وهو من العبقريات العسكرية بشهادات أعدائه ** الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم (مواليد1929) - لم يدخل المدرسة مطلقاً ، وهو أحد أهم شعراء العامية في مصر في القرن العشرين ، - قال عنه الشاعر الفرنسي لويس أراجون : إن فيه قوة تسقط الأسوار ، وقال فيه الدكتور علي الراعي "إنه الشاعر البندقية" ، وقد عينته الأمم المتحدة سفيراً للفقراء.
** الشاعر السوري محمد الماغوط ، دخل المدرسة الزراعية ولم يكمل تعليمه بها ، وهو من أكبر وأهم شعراء الحداثة وكتاب المسرح الحديث في القرن العشرين ، وهو كاتب مسرح وسينما " دريد لحام "
***
** د. سليم معز الدين عبد الله علي.. واحد من أعظم علماء القرن العشرين في علم الطيور الملقب بـ "رجل الطير الهندي" لم يعرف التفوق يوماً في دراسته ، ولم يكمل تعليمه *
* الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي حصل على الابتدائية ..*
* بيرم التونسي: ولم يكمل تعليمه في المعهد الديني ؛ وأستاذ الأجيال التي تلته
** أم كلثوم : أحد أهم ظاهرة غنائية في القرن العشرين لم تدخل المدرسة وتعلمت في كتاب القرية فقط .
* فنان الشعب سيد درويش: الأسطورة الخالدة ؛ أهم موسيقار عربي في القرن العشرين ( ظاهرة فريدة ) : تعلم سيد درويش إنشاد الأناشيد من معلمه الأول في الكتاب وهو في الخامسة من عمره ولم يكمل تعليمه في المعهد الديني بسبب فقره ، ويقول عنه علماء الموسيقى : إن له فضلَ تعليم جيل ما بعد سيد درويش قاطبة . وسواهم كثيرون لا حصر لهم...
ويقول بعض الخبراء: إن أشهر الصُحفيين هم الذين لم يدرسوا صحافة وأعدل القضاة هم الذين لم يدرسوا القانون وأكثر المبدعين قدرة على التطريب هم الذين لم يقفوا على طلاسم الموسيقى ومصطلحاتها ، وحتى الأطباء الذين يخففون من آلام الناس ومنهم مشاهير حول العالم لم يدرسوا الطب ، وقد وضعوا له ثوابت سار عليها من أتى بعدهم من الأطباء ...،
ويوجد الآن ممن لم يدرسوا الطب نظريًا من استفادوا بالتجارب فكانت أدويتهم أحسن من الأدوية المعقمة التي صنعت على وجه صحي ، حتى اللغات والأدب وفن الخطابة برع فيه علماء لم يتلقوا أي تعليم نظامي..
كذلك من السخف أن نربط بين الدرجات العلمية والسلوكيات ، فالتعليم لا يزرع في الشخص صفة حميدة ولا ينزع عنه صفة ذميمة ، بل إنه ليزيد الكريم كرما ويزيد الفاسق فسوقاً .. والتعليم لا يجدي إطلاقا مهما كان كمه وكيفه مع من لا يملك هذه المواهب كيفما كان حرص ولي الأمر وكثافة الدروس ومهارة الأساتذة ، ومن أقوال كاتب السطور : سمكري ناجح ، خير من طبيب فاشل .
***
وتثبت لنا التجارب أن الإبداع بكل أشكاله لم يكن مرتبطا بشهادة أو تعليم نظامي متوسط أو عالٍ.... [ وليس معنى ذلك أن العبقرية - دائماً – موجودة خارج الفصل الدراسي ] ، ولكن العبرة بالموهبة أو الاستعداد الفطري ، كذلك لا يستطيع أحدٌ أن يدعي أن كل من تعلم تعليماً جامعياً فهو عبقري أو متخصص ، فلقد تعرفت أثناء وجودي في عَمان إلى شخص أمي ، وكنت أحسبه من ذوي الشهادات العليا ( نظراً لسلوكه ومظهره ومعارفه وخبراته ) ، ثم اكتشفت بعد وقت طويل أنه أمي لا يعرف كيف يكتب اسمه !! ،
وعرفتُ بعض الشباب من إخواننا وكان يجالسنا على مدار سنوات وكنت أظنه أمياً ( إذ ليس في شخصيته وسلوكياته ومعارفه وخبراته ما يدل على أن لديه مؤهلاً ) ، ثم صدمتُ حين اكتشفت أنه يحمل بكالوريوس تجارة ، والتقيت بعضاً من أساتذة الجامعة في بعض بلادنا ودار بيننا حوار طويل ، فخيل إليّ أنني أخاطب شيوخاً لم يتلقوا شيئاً من معرفة أو تجربة ، حتى طريقة طروحاتهم اتسمت بالعشوائية ...
وكثيراً لا تجد أية علاقةً بين الملكات ونوع الدراسة فمثلاً تجد أن أشعر الناس طبيباً وتجد عازفا ماهرا جداً يعمل محامياً !! وخريجَ لغة عربية متمكن جداً من إصلاح الأجهزة الكهربائية وذلك يعني أنه سار في غير دربه أو وُجه لغير وجهته ،
ورغم ذلك كله ، فإن عمنا الكبير ومولانا ومعلمنا / كمال المالكي ( أقولها بتوقير واحترام يستحقه عن جدارة )، يصرُّ على كلمات يعيدها ويغنيها صباح مساء : أنا أحترم التخصص ، فأقول له : وأنا كذلك يا سيدي - شريطة أن يكون هذا التخصص مدموغاً بالموهبة ومطبوعاً بالفلسفة ومحاطاً بالتواضع ..
لكنه – حفظه الله – لا يسمعني ويتركني كأنني أهرف بما لا أعرف، وكأن التخصص موجود فقط ، فوق الورقة المختومة من الجامعة ، وختاماً ..
** ليست هذه دعوة لنبذ النظام المدرسي أو إلغاء دوره تماما – رغم أنه بحاجة إلى تطوير - ولكنها دعوة لعدم التهويل من الشهادات دون النظر في طبيعة ذكاء وفكر من يحملها أو دون اختبار قدراته ومدى استيعابه لتخصصه ، فلقد رأينا بعضاً ممن يحملون الشهادات أقل خبرة ، وأكثر جهلاً بتخصصهم ، وأكثر بعداً عن المنهجية ، لأنهم لم يكن لديهم استعداد فطريٌ لذاك العلم ، ورأينا - على الجانب الآخر - أشخاصاً مجتهدين كانوا أوفر حظاً في فهم علم أو أدب لم يدرسوه في مدرسة ولا جامعة . ودمتــم ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق