نصـف مائـل
بقلم/ موسى إسماعيل الفقي
كنتُ عائداً لتوي من إحدى الولائم , ولفت انتباهي سيلٌ من الأطفال ,يحمل كل طفل منهم بيده علبة من المياه الغازية المثلجة , وكنتُ ـ كعادتي ـ بحاجة ماسة لشيءٍ من ذلك ؛ وبأنفي وغرائزي التي دربت علي ذلك جيداً ، بان لي أن الأطفال قادمون من أحد الأزقة الضيقة حيث يقع في نهايته مسجد قديم هناك , بلغت المسجد، وقلت لنفسي : أغسل يديّ من أثر الشحوم , وأدلفُ بين الأطفال وأحصل علي علبة ، وصلت حمامات المسجد ، غسلت يدي في عجالة ، دخلت فإذا بالموائد والأطعمة الشهية والناس يأكلون فقلت لنفسي : لا مانع من الجلوس علي إحدى الموائد وتذوق الطعام ، فالرائحة هنا لا أقدر علي مقاومتها ، وهاهي المواضع خالية , ومن لهفتي دخلت ـ خطأ ـ من أحد الأبواب , ولا أدري إن كنتُ غسلت يدي فعلا ، أم أن رائحة الطعام أربكتني ، فإذا بي في مقام أحد الأولياء ، وهناك رجال ونسـاء جميلات يطوفون في جلابيبَ سودٍ حول المقام ؛ فمررت في وسط الزحام للوصول إلي الباب الآخر للخروج، فوجدت من يجذب طرف ردائي ؛ فإذا هي فتاة جميلة بأحد أطرافها عاهة ، تفترش الأرض بجوار أمها العجوز ، فشددته منها ؛ ورحت أبحث عن باب آخر يخرجني من هذا الفخ الذي وقعت فيه ؛ ودخلت إلي أول باب لقيته ، فإذا بي مرة أخري ؛.. في نفس مقام الولي ، لقد دخلت من باب مشابه للمرة الثانية ، لكنني هذه المرة حاولت الخروج مسرعاً ، وبينما أنا أمر بصعوبة من بين امرأتين ، جذبتني إحداهما وأمسكت بتلابيبي ؛ وصرخت قائلة (وهي تنظر إليّ في لؤم) : حرامي يا حرامي انت حرامي .. فتخلصت منها بصعوبة ورحت أقول لها في غيظ ٍ :
- أنا حرامي ؟ أنا حرامي يا بنت ال ... ( محاولا بذلك أن أرد نفس الاتهام إليها ) .. فنظرتْ ناحيتها بعضُ السيدات ولكن دون أن يتفوهن بشيءٍ ؛ فلما افتقدتُ من يدفع عني تلك التهم ؛ ساعتها شعرتُ بالمهانة ، ورغم أني ليس في مظهري ما يريب ، غير هذا الكرش الكبير وعينين جاحظتين لامعتين من أثر التطفل والسعي خلف الولائمِ وحلوِ الطعام , فقد وجدتْ المرأةُ الفرصة السانحة لابتزازي ، لقد حاولتْ السطو علي ما في جيوبي في الزحام ، ولما فشلتْ في ذلك ، بادرتْ إلي ابتزازي بطريقة أخري ، ومن ثم فقد أمسكت بردائي ؛ وراحت تصرخ : لقد سرقني هذا الحرامي .. ولما لم يتدخل أحد ، وأصرتْ هي علي اصطحابي إلي قسم الشرطة , وهناك سوف تدعي أنني سرقتها ، ولن أسلم من إهانات وصفعات نعرفها جميعا ، وربما يصل الأمر إلي حد الاحتجاز ، .. وصلنا إلي قسم الشرطة والمرأة تحاول أن تمسك بجلبابي لتوهم الناظرين بأني مجرم ، وبدت البوابات الحديدية لقسم الشرطة بمنظرها الكالح ، وعلي أبوابـه تناثر بعض العساكر بلباسهم المميز.. كنتُ قد انتبهتُ بعضَ الشـيءِ إلي حقيقة ما يجري ، وخشيةً من أنْ يصلَ الأمرُ إلي حدِّ الدخول إلي القسم وما يمكن أن يجرَّ ذلك وراءه ، فقد فركتُ عينيّ ، حتى أقفَ بالحُلـم عند هذا الحـدّ ...
( سرس الليان في 2000/3/3)
0 التعليقات:
إرسال تعليق