السيد صاحب الوجاهة
بقلم / موسى إسماعيل الفقي
في كل صباح ؛ يخرج علينا منتفخاً مزهواً بالظفر والانتصار ، يتحدانا بعيون ملؤها الثقة ، ليؤكد لنا أنه الأقوى من كل مقاومة والأدهى تجاه كل رقابة ، نامت المقاومة وسلمت كل أسلحتها للصمت والهوان ، وعجزت الرقابة عن ملاحقة أساليبه الحلزونية ، رغم أنه قبل حوالي نصف قرن تقريباً ، كان قد أعلن توبته واختفى بعيداً عن الأنظار ، وزعم آخرون : أنه ذهب إلى الأراضي المقدسة فحج ورجع كيوم ولدته أمه ، لكنه سرعان ما عاد ، ومنذ سنوات يمارس ألاعيبه القديمة في اللف والدوران ، والقنص والزوغان ؛ والتي يعرفها كل من صاحبه أو دار معه أو جالسه أيام زمان ..
***
وقد كان صاحبنا أيام زمان استثناءً ، نادراً ما تسمع به ؛ أو كما يقول أولاد البلد : لا نسمع عنه إلا «كل حين ومين» ، فأصبح قاعدة أصيلة تطالعنا أخباره ومصائبه وكوارثه صباح مساء ؛ وكان حالاتٍ فرديةً ، فأصبح مظهراً أليفاً مألوفاً كالماء والهواء ، وكان يتجول خوفاً ورهبة في ظلمات الليل الحالكة والناس نيام ، فأضحى مكشوفاً سافراً ( على عينك يا تاجر ) في بجاحة ، يأتيك مرة في ثوب المسئول في شركة أو مطحن أو مؤسسة حكومية ، وأحياناً في شكل رئيس مجلس إدارة أو سكرتيرة ، وأحيانا في ثوب صاحب مخبز ؛ طبيب أو ممرضة في مستشفى ، عامل أو مسئول في وحدة صحية ، سائق سيارة ، وأحيانا في شكل مواطن عادي ، يتقلب ويتلون فكأنه أشبه بالعفريت في حكايات " ألف ليلة وليلة ".
عشاقه بمئات الآلاف وخدمه وبطانته بالملايين .. أما خصومه فشرذمة قليلون ؛ غرباء مذمومون مقهورون مدحورون منبوذون مهمشون .
***
إنه عمنا صاحب الوجاهة والأبهة ؛ صاحب المقام الرفيع مولانا السيد / فساد رئيس العلاقات البهلوانية والسلطات «الجوانية والبرانية» ؛ الذي أصبح يتجول بيننا في جراءة وبراءة بكل شوارعنا ومنتدياتنا ، نلتقيه في المناسبات باسمين مرحبين .. يرافقنا في الطريق ، ونناديه بملء أفواهنا : إزي سعادتك يا باشا .. مرحبا يا عم الحاج .. يدخل بيوتنا مقيماً أو زائراً ، يصلي معنا في المساجد والكنائس ؛ أو يمر خلسة من ثقوب ضمائرنا ، ويدعي – كثيراً - أنه زاهد ناسك !! ، أو يزعم بأن طبيعة المجتمع تضطره لذلك ، أو أنه لو تركها سـوف « يلهفها »غيره ، وقد نلتمس له الأعذار أحياناً تحت ذرائع من صنع تخلفنا وغياب وعينا : ارحموه دا صاحب عيال .. سامحوه دا غلبان .. الشيطان شاطر .. دي وراها كوم لحم .. سماح يا أهل السماح ..
صاحب المقام الرفيع مولانا السيد / فساد أصبح منظومة متكاملة البنيان والأركان ، وصار له أبواقه التي تسوق له التزييف والتسويف .. والنصب والتخريف .. إنه الفساد المتمكن صاحب السعادة والأبهة ، والسيارات الفارهة التي تتخطى كل الإشارات الحمراء في شوارع مصرنا « في عز الظهر» ، وعلى مرأى من عمنا قانون الهزيل العريان «الغلبان» الذي ينام على الرصيف في انتظار «العشا والغطا» .
سرس الليان في فبراير 2008م
0 التعليقات:
إرسال تعليق