على هامش الحوار


على هامش الحوار
 بقلم / موسى إسماعيل الفقي
      أستريح دائما لمن يوافقني الرأي ، لكن هذا الراحة تظل غير مستقرة وغير مطمئنة ، وتبلغ أحيانا حد الاستفزاز ، إذا اكتشفت أن رأيي هذا قصير النظر غير شمولي ، تنقصه الرؤيا الكاملة والروية ، وأن محاوري هذا لم يكن مهيئاً لدراسة رأيي والنظر فيه من كل الزوايا ، إذا كان يمتلك أدوات لذلك ، ثم تسرع هو فوافق ..
     ويزداد عدم استقراري وأشعر بمرارة الانكسار في الحلق إذا كان محاوري هذا تعود على موافقتي باستمرار دون مناقشة ، فإذا قلت شرقاً قال شرقاً ... ، وكأنه تعود أن يريح نفسه من الحوار ، والذي يقلق - أكثر – إذا كان هذا الموافق هنا ، تعود على معارضتي دائماً ، مما يدعو للشك والتساؤل : أتلك الموافقة عن قناعته بصواب الرأي أم أنها مجاملة منه هذه المرة .. فعدم الاطمئنان للموافقين والمخالفين على السواء ،  متى كان ذلك لا يتم في حرارة وحميمية حقيقية مع أو ضد الرأي والرأي الآخر ، في مجتمع ينتهك الصدق والصادقين في ساحات علنية من النفاق والكذب ..
***
     وأصاب باليأس والإحباط ، حينما  يوافقني أو يعارضني جاهل ،  دون أن يتحسس بنظره ويتلمس بفكره جادة الصواب ، ويستبين ما استغلق على عقله  ، ثم يعلن بعد ذلك معارضته أو موافقته ، ولا يرد بدون حجة أو دليل ، فإن قلت : " ثور – قال : احلبوه "
وللحوار غايات أهمها إقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي ، وتقريب وجهات النظر ،
  والحوار هو تفاعل بين كافة أطرافه ، ولا يجب أن يكون حوار الطرشان ، فحوار الطرشان لا يؤدي إلا لطريق نهايته البحر أو إلى جدل عقيم ، ولا يجب أن يكون الحوار لملء الفراغ أو لفنتازيا الحوار ، وكل حوار لا يشحذ الفكر لكل أطرافه ، ولا يقدم جديداً ولا يضيف ثقافة للمتحاورين فهو حوار عقيم  ، وكل حوار يبدأ  بتعالي طرف على آخر لا يبلغ المطلوب منه ، بل يجب أن يبذل المتحاور كل ما يملك من وسائل ؛ للوصول إلى أبعد الموانيء لدى الطرف الآخر ، بل يجب أن يجتهد كل طرف لشرح رؤيته بشمولية وفي أسلوب يناسب محاوره ولا يستخدم ألفاظا تشعره بقصوره وعجزه فإن ذلك أدعى للتباعد منه إلى التقارب والتودد ، ولا ينقض عليه فيشعره بعجزه .. ولا حياة بدون حوار و تفاعل ..
***
     وأحزن جداً ؛ إذا وافقني الرأي عالمٌ ، وهو يعلم أني مخطئ فيما ذهبتُ إليه ، لكي يريح نفسه ويكتم علمه ثم يولي مدبراً وهو يقول لنفسه : (( ما جدوى أن يفهم الصوابَ أمثالُ هؤلاء ..!! )) 
    وإني لأتكلم بصدق مع زميل العمل ، فإذا هو يغرر بي ويتعامل مع كلامي على أنه ( كلام في الهوا ) ، ثم ينتهي الكلام - وقد انفض المجلس – وكل واحد  يحمل معه قناعاته التي سبقت الحوار ..
والحق أني رأيت من ذلك الكثير ، ورأيت استخفافاً بالعقل يصل في الحوار إلى حد السفه ، ورأيتُ انغلاقاً  في الفهم ، يجاوز كل قواعد الغباء .
***
   وأعلم أن زميلي في العمل – مثلاً – يوافقني الرأي في قليل من الأحيان وحين يفعل ذلك أعلم أنه قد تجاوز في أمر ما ، ويريد بهذا أن أغمض عيني عن تجاوزاته ، أو أنه يريد شيئاً مني ويقدم موافقته في صدر حاجته لقاء ذلك سبيلاً ، وهو الذي اعتاد أن يعارضني دائماً ، ودون مبرر واضح ؛ حتى لو قلتُ له : إن الله واحد ، قال نعم ، ولكن يوجد آلهة في الأرض ..
     وأغضب أحياناً ، أن يعارض رأيي ، واحد لم يستمع لرأيي جيداً ولم يمحصه ولم يعط عقله فرصة الغوص والتفكير فيما طرحت من أفكار ، ثم يلم بها قبل إبداء رأيه ، ثم يكون محايداً عارض أو اتفق .
  وينبغي على المحاور إن عارض أو اتفق ، أن يكون هادئ النبرة في غير استفزاز ، مهذباً بعيداً عن الفظاظة والغوغائية ؛    
ومن طريف ما ألاقي في حياتي أني كنت أسأل بعض إخواننا عن رأيهم في بعض كتاباتي ، فتكوني الردود مؤسفة ومحزنة وأحياناً محبطة ؛ إما أنهم لم يقرءوا وإما أنهم قرءوا ولم يفهموا ، وتلك مصيبة كبرى في كل الأحوال ..
   ومرة سألت صديقاً : هل قرأت " يوميات شارع " فقال : نعم قرأتها .
فقلت له : وما رأيك بها ؟  فقال : " يا أخي ما تبقى تمشي في شوارع نظيفة .."..  فقلت في نفسي : " يا سوادي .!!" .. عمل أدبي مكثف ومحمل بكل هذه الحشد الهائل من الصور والرموز والإيحاءات والعوالم والأوجاع والأمراض ؛ يكون هذا هو الرد عليه ، ويكون هذا هو أثره عنده !! ؟؟
***

0 التعليقات:

إرسال تعليق