وفــــي أنفســـكم ..
بقلم : موسى إسماعيل الفقي
في بلادنا ؛ بنت الحضارة !! ، إذا قلتَ رأياً مختلفاً في حوارٍ مع الآخرين - اعتبروك ألدَّ أعدائهم !! ، فإما أن تقول ما يقولون ، وترى ما يرون ، وتكون إمعة ؛ لا رأيَ لك ولا رأسَ لك ولا فكرَ لك ، وكأن الله ( تعالى ) خلقكَ ذيلاً لرؤوسهم ، وببغاءً لأفكارهم ، وبوقاً لآرائهم ، وصنماً لأهوائهم ،
فإن رأوا شخصاً يختلف معهم .. يقدم عليهم رأياً أو يؤخر فهو من عباده الضالين !! وهو من السفهاء المارقين ، ولا بد من رجمه في كل مجلس ، والمزايدةِ عليه في كل سبيل .
وإنهم ليريدون الناس جميعاً نسخةً مستنسخةً من ذواتهم ؛ وجينة من جيناتهم ونفخة من نفخاتهم !!
** فثقافة التعايش وقبول الآراء المختلفة ؛ لا مكان لها في عقول إخواننا الذين يعتقدون أنهم هم وحدهم – فقط – يملكون الحقيقة المطلقة ، وأنهم بذلك يحسنون صنعاً !!
** أقول لهم : انظروا إلى ما خلق الله - ليس هناك شيء متشابه مائة بالمائة ؛ من أول النجوم في متاهات الفلك إلى آخر الميكروبات في غيابات اللامرئي . بل إن جسم الإنسان يحتوي على المتناقضات ؛ فدرجة حرارة العين غير درجة حرارة الكبد غير درجة حرارة الجسم ،
ورغم هذه وسواها من المتباينات , يؤدي الجسم عملاً فذاً متكاملاً ، ولن يضر المجتمعَ اختلافُ الآراء وتعددُ وجهاتِ النظر ، ولكن يضره - بالتأكيد - إصراركم على تكميم الأفواه وتحويل البشر إلى أصنام ، وكأني بكم ترددون قول شاعرنا الساخر:
يا قوم لا تتكلموا :: إن الكلام محرمُ
ناموا ولا تستيقظوا :: ما فاز إلا النوّمُ
** ولقد صرخنا في مناسبة وغير مناسبة : يا أهلنا ويا جماعة الخير ويا طوال العمر ويا أهل السياسة والكياسة - وبكل اللهجات - أرجوكم : إن الله تعالى ، جعل الاختلاف من سنن كونه والتنوع من سمات مخلوقاته ، لكي يقول لخلقه :
إنني خلقت كلَّ شيءٍ مختلفاً لأعلمكم ثقافة الاختلاف ، فجمال الحياة في الاختلاف ، ابتداء بالألوان والأفكار وانتهاء بالصفات والأسرار ، ولولا التعدد والتنوع لما كان غنى الحضارات ووفرة الإبداع ،
ومادمتم أعطيتم أنفسكم الحق أن تطرحوا أفكاركم في حرية مطلقة ، فلماذا تصرون على مصادرة حق الآخرين في أن يطرحوا أفكارهم في حرية مماثلة ، أرجوكم - فكروا وتدبروا ..
********
وفي سرس الليان
** بقليل من الوعي وعلى مدى أربعين عاما , تابعتُ المشهد السياسي في سرس الليان ، ابتداء من مسيرةٍ في جنازة رمزيةٍ للزعيم الراحل جمال عبد الناصر - وكنا أطفالاً نردد شعاراتٍ وطنيةً خلف شباب ذلك الزمن , ومرورا بالصراعات السياسية بين سرس وما حولها من المدن والقرى ، من أجل الزعامة والمركزية وخطف الأضواء , وقد استطاعت سرس الليان بما لديها من : 1- تعداد سكاني مؤثر
- 2-حركة تنوير وتواصل بين شبابها وكهولها
- 3- إحساس عالي بتورم الذات
-4- غياب الاهتمام السياسي لدى القرى المحيطة ،
استطاعت بكل ذلك أن تجد لنفسها مكاناً متميزاً ودوراً ريادياً أثر في حياة أهلها ؛ بحصولها على خدمات أفضل في أغلب مناحي الحياة ..
فإذا انتقلنا إلى داخل المشهد السرساوي بخصوصيته الفريدة , وجدنا شكلا آخر من التجاذبات السياسية بين بعض العائلات فيها يؤثر سلباً على التنمية ، فلا تزال لعبة إفشال التحالفات ، والنظرة الشخصية الضيقة للمصالح ، وغياب ثقافة العمل بروح الفريق الواحد ؛ تؤثر في قيم هذا المجتمع .
ورغم ذلك ففي سرس الليان روح متوقدة نحو التصحيح المستمر , فقط - ينقصها شيء واحد ووحيد وهو : أن يكون الجميعُ مواطنين أمام قياداتها بغير تمييز بين أخضر أو أحمر أو ..
فهذا وحده كفيل بأن يجمع الفرقاءَ على مائدة واحدة لمصلحة سرس الليان .
نشر بمجلة سرس الليان يناير 2007م
0 التعليقات:
إرسال تعليق