إذا سرت في شوارعنا، تستطيع أن تعرف بغير جهد، أحوال الناس في بلادنا : ما يأكلون وما يشربون وما يدخرون في بيوتهم، وتستدل على كثير من أخلاقهم.. ففي الصباح الباكر وأثناء مروري من أمام منزلها الجميل العامر، ألقت الحاجة الطيبة أم حمدان كيس القمامة من شرفتها فأحدث انفجارا مدوياً وأفشى ببعض أسراره، أو أسرار عائلة الحاجة أم حمدان ، ولأنني من الذين اشتهروا بحب الاستطلاع
فقد توقفت أمام كيس القمامة أستكشف بعض ما به من فضلات مما أنعم الله به على أسرة أم حمدان ، فزوجها أبو حمدان من الذين سافروا إلى الخليج وعادوا بالآلاف المؤلفة ( اللهم لا حسد ) ، لكن الذباب كان قد سبقني والتف حول قشور المانجو وبذورها يلتهم ما تصل إليه أذنابه وحوافره ويدعو بدوام الخير والبركة للحاجة الطيبة وأهل بيتها الكرام ، ويصدر طنيناً وهسيساً داعياً بالويل على كل من يدعو لنظافة أو يستخدم مكنسة كبيرة أو صغيرة تؤدي إلى حرمانه من القوت ، وتقضي على نسله .
ولم تمض لحظات حتى مرت مركبة مسرعة مثيرة للتراب الكثيف ودهست كيس زبالة أم حمدان فأخرجت أحشاءه للعيان ، وقد انفض الذباب ثم عاد في لمح البرق ، ورغم ذلك فقد حاولت أن أتعرف على النعم التي تعيش فيها أم حمدان ، فعلى ما يبدو أن أبو حمدان رجل كريم جداً ولا يحرم أبناءه من أي شيء ..
**
اكتشفت أن الحاجة أم حمدان والأسرة أكلوا محشي كرنب أو ملفوف كما يسميه أبو حمدان ( أصل لسانه صار خليجي ) ويبدو أنهم طبخوه بلحمة ضأن، فقد رأيت بعينيّ (ريش خروف أو ماعز ) ، وبقايا محشي باذنجان وقشر موز كبير ، ورأيتُ كذلك قشر لب وفول سوداني ومكسرات ماركة بلاد الخليج , وشممتُ روائح كريهة من بقايا فاصوليا وكفتة فاسدة ، وأنا لا ألوم أبو حمدان أو أم حمدان – أبداً والله - ولكن ألوم عامل النظافة الذي لم يكن موجوداً في اللحظة التي ألقت فيها الحاجة الطيبة أم حمدان وساختها في الشارع المجاور ، أو يبدو أن أم حمدان لم تتعود على خلو الشارع من وساختها ، أو أنها هي والجيران يتسابقون في التباهي بما يأكلون ويشربون ، وصاحب أكبر مقلب زبالة أمام بيته يفوز ، ويزداد صيتاً وفخاراً ، ونظرت حولي فهذا كيس زبالة أم حمدان ، وهذه دجاجة نافقة لأبو فرحان ، وهناك في وسط الشارع بقايا طعام متناثر وفضاء كثيف من الذباب والطيور المنزلية النافقة التي سويت بالأرض فكأنها محنطة من عهد عاد ولم يرفعها أحد ..
** وما إن شرعتُ في الذهاب حتى فاجأني صوت شيءٍ يسقط بجواري ؛ فالتفتُ نحو الصوت فوجدتُ فأراً ميتاً في حجم قط متوسط ، فنظرت لأعلى فطالعتني ابتسامة رقيقة من الآنسة علا بنت الأستاذ/ رزق المقاول الكبير ، فلم أستطع إلا أن أقابل الابتسامة بمثلها من باب الأدب والذوق وحسن اللياقة ، إلا أن الابتسامة مني لم تكن صافية تماما ؛ فقد كان يشوبها بعض الاشمئزاز الذي يناسب الفأر الميت ، رغم أنني فعلت قصارى جهدي في أن تكون خالصة وصافية ، لكن وجهي ما إن عاد إلى الأرض حيث الفأر الملقى ، حتى تحولت الابتسامة المشوبة بالاشمئزاز إلى اشمئزاز مدهون بابتسامة صفراء تحولت سريعاً إلى قرف صرف ، وكان عليّ أن أستمر حاسر الطرف كأنني ارتكبتُ خطيئة كبيرة ؛ فكان لا بد لي أن ألوم عامل النظافة الذي لم يحضر في الساعة التي ألقت فيها الآنسة الرقيقة علا بنت المقاول الكبير فأرها الكبير في قلب الشارع الذي لم يسلم من زبالة أم حمدان ، وفأر الآنسة علا ، ودجاجة أبو فرحان ..
ورغم كل ما يحدث - وأمام أعين الجميع - فإن إمام المسجد المجاور لا يزال يتكلم عن الجهاد وأمور أخرى أبعد من واقعنا المهترئ ، وأعلى من سقف أحلامنا المتواضعة ، ويجلس هناك في برجه العاجي ، مطمئناً أنه قد أدى ما عليه وأنه بلغ وأشهد .!!
*******
فقد توقفت أمام كيس القمامة أستكشف بعض ما به من فضلات مما أنعم الله به على أسرة أم حمدان ، فزوجها أبو حمدان من الذين سافروا إلى الخليج وعادوا بالآلاف المؤلفة ( اللهم لا حسد ) ، لكن الذباب كان قد سبقني والتف حول قشور المانجو وبذورها يلتهم ما تصل إليه أذنابه وحوافره ويدعو بدوام الخير والبركة للحاجة الطيبة وأهل بيتها الكرام ، ويصدر طنيناً وهسيساً داعياً بالويل على كل من يدعو لنظافة أو يستخدم مكنسة كبيرة أو صغيرة تؤدي إلى حرمانه من القوت ، وتقضي على نسله .
ولم تمض لحظات حتى مرت مركبة مسرعة مثيرة للتراب الكثيف ودهست كيس زبالة أم حمدان فأخرجت أحشاءه للعيان ، وقد انفض الذباب ثم عاد في لمح البرق ، ورغم ذلك فقد حاولت أن أتعرف على النعم التي تعيش فيها أم حمدان ، فعلى ما يبدو أن أبو حمدان رجل كريم جداً ولا يحرم أبناءه من أي شيء ..
**
اكتشفت أن الحاجة أم حمدان والأسرة أكلوا محشي كرنب أو ملفوف كما يسميه أبو حمدان ( أصل لسانه صار خليجي ) ويبدو أنهم طبخوه بلحمة ضأن، فقد رأيت بعينيّ (ريش خروف أو ماعز ) ، وبقايا محشي باذنجان وقشر موز كبير ، ورأيتُ كذلك قشر لب وفول سوداني ومكسرات ماركة بلاد الخليج , وشممتُ روائح كريهة من بقايا فاصوليا وكفتة فاسدة ، وأنا لا ألوم أبو حمدان أو أم حمدان – أبداً والله - ولكن ألوم عامل النظافة الذي لم يكن موجوداً في اللحظة التي ألقت فيها الحاجة الطيبة أم حمدان وساختها في الشارع المجاور ، أو يبدو أن أم حمدان لم تتعود على خلو الشارع من وساختها ، أو أنها هي والجيران يتسابقون في التباهي بما يأكلون ويشربون ، وصاحب أكبر مقلب زبالة أمام بيته يفوز ، ويزداد صيتاً وفخاراً ، ونظرت حولي فهذا كيس زبالة أم حمدان ، وهذه دجاجة نافقة لأبو فرحان ، وهناك في وسط الشارع بقايا طعام متناثر وفضاء كثيف من الذباب والطيور المنزلية النافقة التي سويت بالأرض فكأنها محنطة من عهد عاد ولم يرفعها أحد ..
** وما إن شرعتُ في الذهاب حتى فاجأني صوت شيءٍ يسقط بجواري ؛ فالتفتُ نحو الصوت فوجدتُ فأراً ميتاً في حجم قط متوسط ، فنظرت لأعلى فطالعتني ابتسامة رقيقة من الآنسة علا بنت الأستاذ/ رزق المقاول الكبير ، فلم أستطع إلا أن أقابل الابتسامة بمثلها من باب الأدب والذوق وحسن اللياقة ، إلا أن الابتسامة مني لم تكن صافية تماما ؛ فقد كان يشوبها بعض الاشمئزاز الذي يناسب الفأر الميت ، رغم أنني فعلت قصارى جهدي في أن تكون خالصة وصافية ، لكن وجهي ما إن عاد إلى الأرض حيث الفأر الملقى ، حتى تحولت الابتسامة المشوبة بالاشمئزاز إلى اشمئزاز مدهون بابتسامة صفراء تحولت سريعاً إلى قرف صرف ، وكان عليّ أن أستمر حاسر الطرف كأنني ارتكبتُ خطيئة كبيرة ؛ فكان لا بد لي أن ألوم عامل النظافة الذي لم يحضر في الساعة التي ألقت فيها الآنسة الرقيقة علا بنت المقاول الكبير فأرها الكبير في قلب الشارع الذي لم يسلم من زبالة أم حمدان ، وفأر الآنسة علا ، ودجاجة أبو فرحان ..
ورغم كل ما يحدث - وأمام أعين الجميع - فإن إمام المسجد المجاور لا يزال يتكلم عن الجهاد وأمور أخرى أبعد من واقعنا المهترئ ، وأعلى من سقف أحلامنا المتواضعة ، ويجلس هناك في برجه العاجي ، مطمئناً أنه قد أدى ما عليه وأنه بلغ وأشهد .!!
*******
0 التعليقات:
إرسال تعليق