رجال عرفتهم : الحاج / فخري مصلح الشخشير

  • الحاج / فخري مصلح الشخشير

    من دفتر الذكريات :

رجال عرفتهم :  
 الحاج / فخري مُصلح الشخشير
* بقلم / موسى إسماعيل الفقي
    حين التقيته أول مرة ؛ حسبتهُ شخصاً عادياً من عامة الناس .. يتكلم مثلهم ؛ يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق .. يحب ويكره .. فلما اقتربت منه وجالسته وخبرتُ معدنه وأرومتَه وخلقَه.. اكتشفتُ كنزاً من كنوز النقاءِ والطيبةِ والرقةِ ... ورأيتُ العظمة في ثوبٍ من البساطةِ والألفة..  قد يبدو قاسياً – أحياناً - مع من يعملون معه ؛ لكنه يفعل ذلك متعمداً ليتعرف على مفاتيح شخصيتك أو ليختبر صبرك ، وقد يزجرك أحياناً ليعطيك شيئاً من خبراتِهِ وعلمِهِ ويُعزِّز قدراتك .. ربما
تغضب منه في حينها ؛ ثم تكتشف أنك كنتَ الرابح الأكبر في كل ذلك ، ولو أنك تفحصت جيداً ما ترك الرجل من أثر في شخصيتك وما أضافه إلى معارفك وخبراتك ، لقلتَ في نفسك :
     ما أعظمه من رجل ..، ثم تُقر بينك وبين نفسك أنك جانبت الصواب وظلمتَ الرجل حين أسأت الظن به !! ، ومع طول العِشرة سوف تألف الرجلَ وتحبُّه وتقدره ، فإذا فارقته ذات يوم ؛ وجدتَ في نفسك حنيناً وشوقاً للقائه مرات ومرات ؛ ولن تستطيع أن تنساه بسهولة .
¤¤¤
  في  منطقة «أبو علندا» القريبة من العاصمة الأردنية «عمان» حيث كان الشيخ الفلسطيني الحاج / فخري يسكن على أول تفريعة الطريق المعروف بـ «المثلث» على يمين مدخل المنطقة الصناعية في «أبو علندا» ؛ يأتي في الصباح كعادته راكبا سيارته الخضراء ، يتوقف أمام مصنع الزجاج وينزل من سيارته في بدلة العمل (العفريتة) الذي تعود أن يلبسها كلَّ صباح حتى صلاة العصر ، يمارس فيها العمل داخل المصنع مع عماله وغالبيتهم من أبناء سرس الليان (محافظة المنوفية - مصر) ، يبني ويصلح ويلحم ويمارس كل الأعمال بمهارة فائقة .. فإذا صلى العصر عاد إلى بيته ، فإن عاد في المساء لبعض من شئونه ؛ رأيت الرجل في حلة عصرية أنيقة كأنه أحد «البكوات» في العهود السابقة ..
    فإذا كان موسم الحج من كل عام ، رأيته وقد جاء في جلباب أبيض راجلاً ؛ مودعاً عماله وأحباءه باكياً غزير الدموع وهو يصافح الكبير والصغير متوسلاً : سامحني يا بْنَيّ .. فيتأثر بعض مودعيه ويبكون لبكائه.. والحاج فخري إذا بكى واخضلت لحيته بالدموع ازداد وسامة ووضاءة وبراءة .
¤¤¤
   يحدثك الرجل عن نفسه حديثاً عفوياً نقياً ؛ ويقدم سيرته الذاتية في تواضع شديدٍ قائلاً :
والله يا بني لم أكن أملك شيئاً ، ثم كان أن عملت مع بعض أصدقائنا في «نابلس» في مصنع زجاج ، وأصبحنا شركاء به ، ثم اختلفنا ، وحفاظا على العلاقات والصداقة التي بيننا ..أخذت حصتي وودعتهم وجئتُ إلى هنا ؛ إلى عَمّان .. ولم يكن نصيبي شيئاً كثيراً ، وبعد فترةٍ بدأت مشروعا صغيراً (بداية متواضعة جداً لمصنع زجاج) ، وبالصبر والعمل والجد بدأ المصنع يكبر يوما بعد يوم ، حتى أصبح كما ترى.. 
 
 وتجربة الحاج فخري الشخشير – أطال الله في عمره- تذكرني بتجربة الحاج / محمود العربي - رحمه الله تعالى - «صاحب شركة توشيبا العربي» ، فهو أشبه بالحاج فخري - تماما - تديناً وأخلاقاً والتزاماً ..
    أجمل ما في شخصية الحاج فخري الشخشير ، أنه لا ينسى قديمه أبداً ولا يتنكر لماضيه بعدما فتح الله عليه بسعة الرزق ، فهو مازال مرتبطاً بالحلاق العجوز الذي كان يحلقُ عنده في نابلس أيام زمان ، وبالصحبة من أصدقائه القدامى من الفقراء والذي يحرص على التواصل معهم – بين الحين والآخر - على بعض مقاهي عمان ، ويحرص – أيضاً - على الإحسان إلى فقرائهم ، ويجعل لبعضهم راتباً شهرياً يقيهم من ذل السؤال .. وهو يحرص على إخفاء ذلك ، وإن كنا قد عرفناه من طريق آخر .    
   كذلك فإن الحاج فخري رقيق القلب ؛ ينسى من أساء إليه ، ويعفو عند المقدرة ، فكم رأينا بعضاً ممن أساءوا إليه وقد ألمت بهم خطوب ؛ وكيف خفَّ هُوَ لنجدتهم دون تفكير ، إنه يحبُّ الناس دائماً ، ويعذر كثيراً ، لكنه يكره التنطع والتسيب والإهمال ، ويحب العاملين المخلصين والمجدِّين المتقنين لأعمالهم . 
¤¤¤
  يقول آينشتاين : ” إن المعرفة ليست المعلومات فقط ، ولكن مصدر المعرفة الحقيقي والوحيد هو التجربة والخبرة “ ..
«وأنت مع الحاج فخري لابد أن تتعلم الكثير».. قلتُها للكثيرين ممن عملوا معه ، وكل من اقتربوا منه وعاملوه ، وقلتُ: «من صَحِبَ الحاج فخري الشخشير ولم يتعلم منه فلن يتعلم شيئاً»، إنه الرجل الأوفر حظاً في المعرفة بالخبرة والتجربة ؛ رغم أنه لم يتم تعليمه بالمدرسة .. إذا حاورته في السياسة وجدت رجلاً دقيقاً في تعبيراته كأنه سياسيٌّ مخضرمٌ ، لديه بصيرة ناقدة وقراءة سياسية ناضجة ، ووعيٌ بالأحداث وقراءةٌ مستقبلية.. وإذا كلمته في أمر اجتماعي أو اقتصادي جاءك بالقول الفصل والحكمة النادرة.. ورغم ذلك فهو مستمعٌ جيدٌ لكل مَنْ حولهُ وإن اختلفت المشارب .. 
 
  ومن المشاهد التي تدل على عظمةِ هذا الرجل ؛ حين كنت بصحبته ذات مرة لقضاء بعض الأعمال ، وفي الطريق إلى عمان رأينا حادث تصادم بين سيارتين ، إحداهما تاكسي أجرة «سرفيس» وأصر صاحب التاكسي على مقاضاة صاحب السيارة الأخرى ، والذي يبدو عليه وعلى سيارته الفقر ورقة الحال ، وبدا أن صاحب التاكسي لن يتنازل  عن اقتياده لمخفر الشرطة ، انصرف معظم الناس وتدخل الحاج فخري في الحال ، وعرض على صاحب التاكسي مبلغاً مالياً من جيبه الخاص مقابل إصلاح السيارة ، لكن صاحب التاكسي كان طامعاً في المزيد ، فقال له الحاج : هذا عنوان الميكانيكي الخاص بي ؛ اذهب إليه لإصلاحها على حسابي .. إنها المروءة التي عرفناها - دائماً - خُلقاً وطبعاً لديه .. 
¤¤¤
وعائلة الشخشير التي ينتمي إليها شيخنا من أقدم وأشهر عائلات نابلس(فلسطين) ولقد تعرفتُ على بعض من إخوانه وأقاربه ، فوجدت فيهم أريحية وذكاءً ؛ وتقديراً منهم لكلِّ من تعاملوا معه ..
¤¤¤
ولقد التقيت الحاج فخري في عمان سنة 1985م ، وعملتُ معه عشر سنوات ، رأيتُ فيه أخاً أكبر وأباً روحياً عظيماً ، ورأيت رجلاً عصامياً نظيف اليد طاهر السريرة عاملاً بما يرضي الله ورسوله ، مرهفَ الحسِّ ؛ رقيقَ المشاعر معطاءً لكل من حوله ، يضع القيم الإنسانية الرفيعة في علاقاته أعلى المنازل . ولقد ودعته وعدتُ إلى مصر وفي النفس شوقٌ وحنينٌ للقائه لا يهدأ رغم مرور ما يقارب عشرين عاماً ، ومازال هذا الرجل الكريم يتواصل معي بالهاتف بين الحين والآخر ، إنه الحب في الله تعالى ،
 
  اللهم إني أحبك في الله تعالى ، لقد تعلمتُ منك الكثير يا شيخنا الجميل ، تعلمتُ بالخبرة معك ومع إخواننا في كل مكان ؛ أنه لا فرق بين إنسان وآخر أياً كان لونه وجنسيته وموطنه وأصله ومعتقده إلا بالتقوى .. اللهم اجعلنا من المتقين .. وبارك اللهم في الحاج فخري الشخشير وآل بيته وجميع من يحب ؛ وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.  

6 التعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
    الردود
    1. الفاضلة د/ بهية الشخشير
      السلام عليكم - هذا الإميل alfeky3@gmail.com

      حذف
  2. هذا رد من المهندس محمود الحجاوي زوج اختي ولكنه لم يتمكن من نشره فأرسله الي لأنشره هنا.
    والله إنني أحببت هذا الرجل الإنسان كحبي لوالدي, رحم الله والدي وأطال الله بعمر عمي والد زوجتي سلام الشخشير.

    عمي فخري الشخشير وكما وصفه الكاتب الصادق المحترم موسى إسماعيل ألفقي حفظه الله وحفظ قلمه هو إنسان ورجل أعمال وعبد صادق مع ربه، يقدم لوجه الله كثيرا وكما قال الحديث "حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمنيه"، لا يتكاسل أبدا في تلبية الواجبات ألدينه والعادات الطيبة في مجتمعنا بدا بالعبادات ومرورا بالجاهات الكريمة ومشاركة الناس أصدقاء وغير أصدقاء بأفراحهم وأحزانهم, ما رأيت من هو احن منه على الصغير والضعيف، رجلا إذا ما أصابه مكروه أو مرض لا يخبر من حوله ولا نعلم بمرضه إلا بالصدفة، يكون بيننا متألم ويحاول جاهدا إخفاء حالته فهو لا يشكي حاله إلا لربه ولا يساءل إلا خالقه.

    فخري الشخشير برغم سنه ومقامه الكبيرين ما زال يمارس أعماله كعادته حماه الله وكما قال الكاتب المحترم منذ الصباح حتى العصر ليعود لمنزله ينتظر وقت الصلاة وليقوم بواجباته اليومية من واجبات المنزل وواجبات الناس، ما ألطف هذا الرجل في معاملته مع غيره وما احن دمعته، إن الطيبة تظهر في وجه الحنون لكن ما بداخله أطيب واحن وارق.

    كثيرا من الرجال إذا ما تقدم به العمر يصبح عصبي المزاج ويقل صبره، لكن عمي فخري كل ما مرت به السنين ونحن من حوله زاد حنانه وطال صبره أطال الله بعمره، كيف لا وهو متعلق بخالقه، كم تحبه ابنتي دانية وإخوانها أنس و يامن وأحفاده من ابنته الكبيرة بهية وزوجها عديلي الحبيب أمجد وهم فخري وليان وعمار، ما رأيت حب أحفاد كحبهم له ولا حبا كحبه لهم.

    أخيرا وكما أدعو الله دوما أن يطيل في عمر والدتي الحبيبة فانا أدعو الله أن يطيل عمر عمي وزوجته الحبيبين ولا أرانا الله فيهم مكروه.

    عمي يا عميد آل الشخشير الكرام أدعو الله أن يطيل عمرك في طاعة الله كما هو حالك ألان ويحفظك من كل مكروه ويبقيك قريبا من محبيك ولا يحرمنا الله من حنانك ولطفك ورقتك وطيبتك

    ردحذف
    الردود
    1. أخي الودود المهندس محمود الحجاوي ( أعزك الله وأدامك )
      السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد :
      فأنا سعيد أيما سعادة بهذا التواصل ، والحديث عن رجل له في قلبي مكانة عظيمة ، ولا أخفي عليك أنني لدي الكثير الذي لم أقلْهُ عن صديقي العزيز الحاج فخري ، وعندي من الأسرار عن شخصيته الفذة وقدراته الخلاقة وروحه الشفافة ما يملأ كتاباً ضخماً ، ومقالي هذا عن الرجل مجرد إشارة سريعة ولا يوفيه بعضاً من حقه ، وأسأل الله لشيخنا الحاج فخري ، أن يديم عليه الصحة والعافية وخالص تحياتي القلبية له ولجميع الأهل والأحباء، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأسأل الحاج فخري خاصة الدعاء لي وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه . موسى إسماعيل الفقي

      حذف
  3. ما أجمل الحب فى الله فى زمن كثرت فيه المصالح وقل فيه الاخلاص سواء بالكلمة او بالفعل

    كم هو جميل الا تنسى رمز تعظمه ويكون قدوة لنا

    فإنما يدل على شخصك الطيب والأصيل الذى قد غاب فى هذا الزمان

    ردحذف

  4. أخي الأكرم المهندس / محمد زرينة ( حفظه الله من كل سوء)
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد :
    أعزك الله تعالى ، وشكر الله لك كلماتك الطيبة وهذه الأريحية التي ألمسها هنا أو كلما سمعت صوتك عبر الهاتف ، وهذا الود الصادق والتواصل الرقيق ؛ وجزيت خيرا على هذه الكلمات العطرة ، وأنت - بحق - أهل لقيم الإخلاص والخير والأصالة والجمال . خالص مودتي واحترامي. موسى إسماعيل الفقي

    ردحذف