القــهر والإبــداع



القـهـر والإبــداع
بقلم/ موسى إسماعيل الفقي
      القهر هو اللغة السائدة والعلامة التجارية الأعلى رصيداً في مجتمعاتنا ، وينشأ القهر  بسبب الجهل وقلة الخبرة وقصر النظر، والنظم الجامدة والغير متوازنة، واللوائح المؤكسدَة التي تفصِّلها ( فئة أو طبقة ) لصالحها أو لحجب منفعة عن الآخرين .  
 وينتج عن ذلك استفحال
قيم الخوف وانعدام الثقة والانعزالية لدى الفئة المستبَدِّ بها والمقهورة ، وهنا لا يجد الإبداع تربة صالحة يعيش فيها فيذبل ويختفي ..
      فكيف يبدع شخصٌ مقهورٌ ؛ وكيف ينتج ويعطي ويؤكد حضوره الفعال - إن المقهور شخص لا يجد هواء نقياً لإعمال عقله وشحذ فكره وتدريب ملكاته وتجريبها وتنشيطها ؛ فكل ملكاته معطلة ومقضيٌ عليها بما تُرجَم به من القهر والحرمان والتعطيل واللوم والتقريع
     وإن العقل يحتاج إلى فضاء يعينه على الانطلاق من ذاته إلى خارجها دون معوقات تحد من شطحاتِ خياله وفوران إبداعه ..  فإذا رأيت أمةً تالفةً متخلفةً ؛ فاعلم أن أفرادها مقهورون,  وأينما وجدتَ القهرَ  افتقدتَ الإبداعَ , فبين القهر والتخلف علاقةٌ وثيقة دائماً  ..
   اشتريتُ مرةً " سير غسالة " صناعة مصرية , وبعد تركيبه بربع الساعة تمزق , فعدتُ البائع واتهمتُ نفسي , واشتريت "سير" آخر - أيضاً - مصري , فجرى له ما جرى لسابقه ، فذهبتُ مرة ثالثة , واشتريتُ " سير"  كوري ، فإذا به يعمر لست سنوات ولا يبلى !! .. ولا بد أن أرجع كل ذلك لشيءٍ واحد   هو (( القهر )) -  فالصانع عندنا لا ينعم بحرية , والآفاق كلها مغلفة بالقهر  والاستبداد بكل أشكاله ( اجتماعية - سياسية - مادية ) ،  وحجم القبح والهمجية في حياتنا غير مسبوق .
ومن مظاهر القهر في بلادنا ؛ هذا التفاوت الكبير بين الدخول دون سبب موضوعي , فالموظف في وزارة البترول أو  المالية أو  الكهرباء , يحصل على راتبٍ أكبر بكثير من مثيله في وزارات أخرى ، فمن أوجد تلك الفئوية غير حكومات متعاقبة  أرادت أن تجعل من الشعب شعوباً ؛ ومن الأمة طوائف وفئات يحقد بعضها على بعضها الآخر ، وماذا يمنع أن يتساوى مربوط الدرجة الواحدة في كل الوزارات ؟ ، فكفاءة الموظف هنا نفس كفاءة قرينه هناك  !! ، أم أن البترول تملكه فئةٌ دون غيرها من الشعب ، والضرائب تجمعها طائفةٌ لحسابها ، والكهرباء تبيعها جماعةٌ لحسابها وليست للشعب ؟؟ ، ولماذا  يكرَم مواطنٌ هنا ويُحرم مواطنٌ هناك ؟؟ -  والقهر  في بلادنا يحول دون مناقشة هذه الأمور التي تؤلم  معظم المصريين ، وكل الحكومات المتعاقبة ترى وتسمع ذلك ولا تحرك ساكناً ..؟؟ وكأن نجاح تلك الحكومات مرجعه في أن ترضي طبقة وتغضب أخرى ..!!
     والنشء في بلادنا يُربى على التبعية المغلوبةِ على أمرها وكذلك الأمُّ في الأغلب الأعم ؛ فالمعلم بين تلاميذه يحمل عصاه كأنه يسوق قطيعاً من الخراف ، فإذا اشتمَّ  خروجاً على الجادة قومه بعصاه بغير رحمة ، وقل ذلك في الآباء والمدراء والقادة .. إنها ثقافة مجتمع يجب أن تتغير .  
سرس الليان في 16/3/2008م  

0 التعليقات:

إرسال تعليق