الموظف مثالي ..

الموظف مثالي ..
بقلم / موسى إسماعيل الفقي 
تعودنا في بعض مصالحنا الحكومية وبعض مؤسساتنا على رؤية مصطلح «الموظف المثالي» و«المعلم المثالي » ، فما إن تدخل لأي من تلك المؤسسات إلا وطالعتك لوحة كتب عليها ((الموظف المثالي أو المعلم المثالي لهذا الشهر أو لهذا العام ... )) ، ولأن الكثير من تلك الأسماء المطروحة - بعد التحري والسؤال ؛ لا ترقى لأن يطلق عليها "المثالية" شكلا ومحتوى - والتي يتم اختيارها هي لأفرادٍ عاديين جداً في الأعم الأغلب ، فليس فيهم مثالية تذكر سوى أنهم طيبون ومسالمون وودعاء فقط (رغم عظيم تقديرنا لهذه القيم الراقية) –  فهل
هذه هي المثالية التي تُطلب فيمن يتم اختياره ؛ أم أن هناك مآثر أخرى وبلاءات في صميم أعمالهم يستحقون عليها تلك الجوائز والشارات  ؟؟ ، هذه التساؤلات كانت سبباً في طرح عدة أسئلة مشروعة من بينها مثلاً :
- ما العوامل التي يتم على أساسها اختيار العامل أو الموظف المثالي أو المعلم المثالي في أيٍ من تلك المؤسسات ، أو ما المعايير أو الآليات المعتمدة لتنفيذ ذلك ، مثل : إنجازاته في صميم عمله زيادةً عن المتوقع ، ثم تضاف بعد ذلك تلك القيم النبيلة التي يتحلى بها الموظف ، والتي تمثل عاملاً إضافياً لتحقيق تلك الإنجازات ، أو ماهي عناصر التميز أو الأسباب التي تجعل من أحد هؤلاء العاملين دون غيره مثاليا ؟؟ 
 ¤¤¤
ولقد بدأت أتابع أسماءً لبعض الذين أجيزوا في مؤسساتهم كمثاليين فلم أجد تميزا لهم يذكر دون بقية أقرانهم من الموظفين  والعاملين، ومن ثم رحتُ أسأل بعضَ أصدقائي في بعض من تلك المؤسسات : يا تري ما الذي يجعل من فلان - مثلا - موظفا مثاليا ، فقيل لي : إن فلان هذا « راجل طيب وف حاله» ، وسألتُ عن آخر في مصلحة أخرى : فقالوا : « راجل محترم وما تسمعلوش صوت» ؛ وفي مكان آخر عن فلان آخر – أيضا –  «مثالياً» ، فقيل لي : « راجل ما بيزعلش حد منه » ، يعني بالعربي (لا بيهش ولا بينش) أو من عينة «داري على شمعتك تئيد»، وإذا كان هؤلاء المثاليون في مؤسساتنا على هذه الشاكلة من الصمت والأريحية والانزواء ؛ و(البلاهة) أحياناً - (الأريحي في اللغة هو الرجل الواسع الخلق النشيط إلى المعروف يرتاح لما طلبت ويراح قلبه سروراً) ؛ والمصيبة لو كان هذا الموظف (الأريحي) من العينة التي يقول عنها الشاعر :              
ولا تستعينن في حاجة .:. بمن يبتغي حاجة مثلها
فينسى الذي كنتَ كلفتَه .:. ويبدأ بحاجتهِ قبلها !!
(وهذه العينة لن تعدمها في مجتمعاتنا)
   أقول لو كان المثاليون في مجتمعنا على هذه الشاكلة المختارة من قبل مدرائنا وقادتنا وحكامنا ؛ فهل يرجى لبلادنا مستقبل مشرق حقا .!!??. إذا كنا ننحاز للصامتين والبلهاء والانطوائيين ؛ ونجعل منهم قدوة ومثلاً يُحتذىَ ؛ فهل – حقا –  سوف نبني هذا البلد ؟ ، وهل حقا سوف تغيرنا الثورة التي أبدعتها نخبة من الشباب الحر المبدع «المثالي» بحق ؟ ، وماذا نقول لأبنائنا حينما يسألوننا عن هؤلاء المثاليين المنتَخَبين من قبل بعض قادتنا .. ألسنا بذلك الصنيع نقول لهم بملء أفواهنا : هؤلاء المنتَخبون هم قدوتكم ؛ فكونوا مثلَهم .. تحلَّوْا بالصمت والسكينة والوقار حتى تنولوا رضى الكبار ..لا تقولوا ما يغضب رؤساءكم حتى ولو كان في صالح العمل .. خبئوا أنفسكم تحت ألسنتكم ؛ لا تحركوها فيظهر ما يعيبها من رذيلة وما يشينها من نقيصة .. !!؟؟   
    لقد تعرفت إلى المثالية التي يرجوها أغلب القائمين على مؤسساتنا عن قرب وبطاناتهم الذين يرشحون لهم هذه الأسماء ، فقد قال بعضُ يتامى العقل وأئمة الهوىعن كاتب هذه السطور في مواقف مختلفة : «فلان دا دماغ لوحده وبتاع مشاكل» ، وقال غيرُهم : «هذا موظف متمرد ومشاكس وما بيعديش حاجة» ؛ فالقائمون على الأمور في هذا البلد ومعهم معاونوهم يريدون أناساً بلهاءَ صامتينَ مسالمين ، موظفين سلسي القياد من فئة (( اربط الحمار مطرح ما يقولك صاحبه )) أو من عينة "إن لقيت بلد بتعبد العجل ؛ حش وارمي له" أو "حُط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس" ، يعني يريدون أناسا بلا موقف ولا مبدأ ولا هدف ..
¤¤¤
في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي طوّفتُ في البلاد شرقاً وغرباً ؛ ، متنقلاً بين دور الثقافة الجماهيرية  ومؤسساتها ، مشاركاً في فعالياتها الأدبية والفنية ، ولاحظت شيئاً غريباً ؛ أن كثيراً من هذه المؤسسات ؛ جعلوا على قمتها قيادات لا علاقة لها من قريبٍ أو بعيدٍ بالثقافة أو العمل الثقافي ، وعرفت - بعد ذلك - بالسؤال والخبرة ؛ أن اختيار القيادات لمعظــم هذه الدور يخضع لأجهزةٍ أمنيةٍ تقوم بتفلية تاريخ المرشح لهذا المنصب ، على أن يكون«أخيب» شخص في كل مراحل التعليم من الابتدائية إلى الجامعة ، فلا تجد عنده لغة ولا علما ولا ثقافة ولا سياسة ولا خبرة بأي شيء ، وأن يكون سلساً وسهل القياد ، يعني أمياً يقرأ ويكتب !! ، فهل مثل هذه الأنظمة تأتي بحكومات تهتم بالعلم والتعليم ، هم يريدون أن يحكموا بقراً لا بشراً لأنه أيسر لهم ، أتمنى من الله - تعالى -  أن يهدي ولاة أمورنا بعد ثورة يناير المباركة وأن يولوا المثاليين الأكفاء وليس الصامتين الكسالى بالروح والعقل والضمير ؛ ونحن معهم في نضالهم حتى يكلل الله مسعانا بالنجاح ، من أجل مستقبل مشرق لهذا الوطن ..
¤¤¤
 فيا سادتي الكرام – أعزكم الله - إن المطلوب لهذا البلد لكي يتقدم وينهض ويبني مجداً، ويشيد حضارة، أن يكون لدينا عاملون وموظفون أكفاء متميزون ؛ ومحاورون أذكياء لصالح هذا البلد ومستقبله . نريد في كل موقع في بلادنا مواطنين أحراراً يتفاعلون مع الأحداث لا عبيداً  .. الانطوائيون والانعزاليون والصامتون لا يبدعون الحضارة ولا يصلحون لأن يكونوا مثاليين .. البلهاء لن يعرفوا حقوقهم ولن يؤدوا ما عليهم من واجباتٍ كاملةٍ غير منقوصة ،.. نحن بحاجة إلى أناسٍ يمتلكون يقظةَ فكرٍ وصحوةَ مباديء ، وتَطلعاً لغدٍ أفضل ؛ يصلحون لأن يكونوا  مثاليين مبدعين رائعين من الذين قال عنهم أبو الطيب (رحمه الله) :
ولم أر في عيوب الناس نقصاً ... كنقص القادرين على التمامِ .
¤¤¤¤         

0 التعليقات:

إرسال تعليق