بشروطي


بشروطي
 بقلم / موسى إسماعيل الفقي
      جميل جداً أن تتنازل في تعاملك مع الآخرين ؛ إذا كان الطرف الآخر يقدر هذا التنازل، ولا يتجاوز فيتعامل مع الأمر وكأنه من الطبيعي أن تتنازل له ، ولا يعتبر هو أنك تتنازل له لأنه يفضلك علماً أو خلقاً أو أصلاً ... ، ولا يطير في أبراج أوهامه وينظر لك من أعلى ، فتزين له شياطينه أنه الأذكى والأنقي والأدهى و« اللي ما جابتوش ولادة » ، ولا يجعل من تنازلك هذا أمراً واجباً في كل الأحوال ، وأن يوازن في ذلك ليكون التنازل سجالاً للطرفين ؛ يعني مرة له ومرة عليه ..
***
   وجميل جداً أن تتواضع مع الناس ، متي كان تواضعك هذا ملهماً لهم بتواضع مماثل وخلق كريم ، وقديماً كنتُ أتنازل مع الأصدقاء والصحبة حفاظاً على دوام المودة ولم الشمل ، فوجدت أن ذلك لا يجدي مع كثير من البشر ، وأن تنازلي يصنع منهم  جبابرة متجبرين متسلطين ، لا يدعون فرصة تلوح لهم إلا وسـخروا منك ومن عطائك وقدراتك ومواهبك ، وكأن تنازلك لهم يجعلك في أعينهم ذيلاً تابعاً ضعيفاً لا تصلح لأن تقدم شيئاً ذا قيمة .. وربما سخروا من علمك ولو كنتَ تفوقهم علماً وخبرة.
***
    ومن عجب ما لاقيت في زمني أنني كنت أقدم نفسي للناس بدون قناع وبدون تزوير، فيقبلون على ما أقول بفتور الإحساس وبلادة المشاعر ، فالمشاعر الصادقة بين الناس - في زماننا - ليست جديرة بالتصديق والاحترام ؛ لأن ذلك نادر وقوعه ..  واكتشفت أن الناس تتعامل مع ذوي الأقنعة باهتمام وواقعية وقبول شديد ، ولا تلقي بالاً للوجوه الحقيقية .. ورأيت بعضاً من إخواننا «المكرمين» يرفعون المزورين والمزيفين على الصادقين من الناس للمصلحة والوجاهة الاجتماعية فقط ، ورأيت بعضهم يخِفـُّون في المواقف الصعبة مع المزيفين، ويثقلون مع أهليهم وأحبائهم وذوي قرابتهم . 
****
  وكنت أتعامل مع الناس بود وحميمية ، فيكون الرد عكس ذلك تماماً ولهذا فقد علمتني التجارب أن أتعامل مع الناس بشروطي ، إلا إذا كان من المحسنين ، وهذا نادر جداً ،  
  وصديق واحد مخلص متوازن يعينك على الحياة خير من أصدقاء كثيرين يرهقون أعصابك ويرشقونك بالحجارة في كل حال ..   
******

0 التعليقات:

إرسال تعليق