تجارة سرس !!
**التجارة شطارة ؛ لكنها في سرس ليست كذلك ، ومفردات التجارة بترتيب أهميتها هي : ( المشتري - البائع - المكان - السلعة – رأس المال ) ، فالبائع يتواجد حيث يوجد المشتري وليس العكس ، أي أن البائع يتبع المشتري ، لكن تجارنا يضعون المشتري في ذيل المفردات وليس على رأسها , ورسولنا الكريم صلى الله عليه سلم يقول : (( رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع ؛ سمحاً إذا اشترى ؛ سمحاً إذا اقتضى )) ، فسماحة البائع مقدمة على سماحة المشترى ؛ لأن المشترى ركن مهم في أي تجارة ... والتاجر الذي يتعامل مع الناس بشروطه هو - ليس تاجراً ولن يكون ، والبائع والمشتري طرفان فاعلان في علاقة متوازنة ، لكن التاجر في سرس ينظر للمشترى نظرة ( من فوق ) !! وهذا خطأ جسيم يؤثر سلباً على السوق عندنا ، ومساومة المشتري في السعر حض عليها ديننا (ماكسوا الباعة فإن فيهم الأرذلين)، لكن التاجر في سرس يريد "زبوناً" يسلم نفسه له ليفعل به ما يشاء دون مناقشة ، وكأن كلامه قضاء !! ، والتاجر في سرس شكّاء بكّاء من بيع الأجل ، والبيع الآجل فيه البركة كما أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (( ثلاث فيهن البركة ؛ البيع إلى أجل ؛ والمقارضة ، وأخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع )) ، وقد مارست ذلك زمناً طويلاً ورأيته بعينيّ ، وحسبتُ هذه البركة لبعض إخواننا من التجار بحسابات التجارة البحتة وبالأرقام ، لكنهم ولوا على أدبارهم نفوراً ..!!
*******
والتاجر " الشاطر" كالسياسي المحنك لا يعطي ظهره لأحد ؛ وهو الذي يمتلك ابتسامة عريضة طوال الوقت ، وهو الذي يحمل رؤية المشتري والبائع في آن معاً ، أو قلب المشتري وعقل البائع.. وهو الذي يفتح أبوابه ولا يغلقها دون أحد ، وهو الذي ينتظر المشتري وليس العكس ، ومن مأثور القول عند أذكياء التجار قولهم : ( اخسر سلعةً ولا تخسر زبونا ) لكن تجارنا يخسرون الاثنين معاً ، والعرب تقول : ( مُربي الجِمال ، يوسّع بابَ داره ) ، لكن تجارنا يربون جِمالاً ويجعلون أبوابَهم ثقبَ إبرة ، وفي الحديث الشريف : (( تسعة أعشار الرزق في التجارة )) ، ويتحقق ذلك بعدد مرات دوران الجنيه في السوق ؛ أو عدد عمليات البيع والشراء ، وذلك يتحقق - أيضا - بالبيع الآجل وهنا تكون البركة ..
*******
والتاجر الشاطر يكون حصيفاً ذكياً ، فلا يحكم على " زبون" من أول تعامل ، فالكثير من تلك الأحكام يخطئ ولا يصيب ، ولا يحقِّر بيعاً وإن كان ربحُه ضئيلاً ؛ ويقوم له بعزيمةٍ كما يقوم لبيع وربح كبيرين ، والتاجر الشاطر يوازن بين مالَهُ وما عليه ِفي السوق ، أي يجعل مشترياته بالأجل تساوي مبيعاته بالأجل - ويحتال لذلك ما أمكنه - ومتى حصّل من هنا سددهُ هناك ، فيوفر بذلك ما يكفيه من سيولةٍ نقديةٍ ، ولا يخشى من ديونٍ معدومةٍ لأنها مع البيع الكثير تكون ضئيلةُ القيمة قياساً بالأرباح ، وبهذا يتجنب زيادة الفوائد على البيع الآجل ، ولأن هذا يسهل اكتشافه ويؤثر في مصداقيته ، ويدفع بعض الزبائن للمماطلة في السداد أو يقلل عمليات البيع ، وكلاهما خسارة بينة .... و" الزبون على حق" هي الكلمة الفصل ، وهي القاعدة الذهبية في هذا الباب ؛ لمن يرغبُ أن يكون تاجراً بحق .
*******
0 التعليقات:
إرسال تعليق