جـرائم ملوخية وأخواتها !!


جـرائم ملوخية وأخواتها !!     
بقلم / موسى إسماعيل الفقي
  لا أدري كيف اكتشف أجدادي الملوخية , ثم  أكلوها , ولم يفكروا إن كان بها بعض المركبات السامة ؛ شأنها في ذلك شأن بقية الأعشاب والنباتات التي لا تخلو  من مواد سامة ..!! -  وقد كان أجدادي -  كما عرفتُ - والحمد الله تعالى - متفوقين في كل شيء ؛ من أول إبداعهم  في بناء الهرم الأكبر  - وبما  هو  إبداع لم يستطع اللاحقون من نسلهم أن يتوصلوا لحل رموزه - إلى قدرتهم على معجزات تعتبر خارقة بمقاييس العصر الحديث مثل : علم تحنيط الموتى،
والبرديات التي تركوها بأسرار غاية في الإعجاز والإبهار في كل مناحي العلوم , وكذلك أجدادي العرب الذين حملوا رسالة الإسلام ونشروها , وجاءوا معه  بعلومٍ  غيرِ  مسبوقة والتي تعتبر إعجازا بمقاييس عصر الفضاء ...
    أقول لا أدري كيف اكتشف أجدادي الملوخية ثم أكلوها دون أن يفكروا في المركبات السامة التي ربما تكون موجودة بها , وأكلوا الملفوف ( الكرنب ) والخبيزة  والسبانخ والقرع , واستخدموا النعناع والخروب والبردقوش كمشروبات  في منتدياتهم أو لتحقيق فوائد للجسم  أو  لعلاج  أمراض بعينها  ؛ فكيف تفوق  أجدادي في كل ذلك ,  وقصّروا في اكتشاف المواد السامة الموجودة في الملوخية وسواها , ثم كيف لم تؤثر هذه المركبات السامة على عقول أجدادي  التي أبدعت كلَّ هذا الركام الضخم من الحضارات . ثم ها نحن نأكلها ولا نموت أو  نُصاب بعللٍ  مرجعها  الملوخية وأخواتها ..   
    ولا ندري هل كان بعض الملوك يعلم أضرارَ الملوخية  حين حرمها على شعبه ( خوفاً على شعبه من سموم بها !؟ ) أم أنه عرف فوائدها  , فلم يرد  أن يشاركه أحدٌ في لذة الملوخية ( أو  الملوكية نسبة إلى الملوك ) .؟  ولو تطرقنا لأي أخت أو بنت عم أو بنت خالة من أقارب الملوخية لوجدنا  أن الأجداد أكلوها ولم يهتموا بالمواد السامة التي اكتشفها أحفادهم من علماء آخر الزمان , والذين أتحفونا  بعلم جديد اسمه ((علم الكبسلة )) ( أي تحويل الملوخية وأخواتها إلى كبسولات بعد عزل المواد السامة عن المواد الفعالة والضرورية للجسم ) 
     ثم لا يقف الأمر عند هذا الحد -  لقد  أصبح كل شيء في طريقه إلى الكبســـــلة ( تحويله إلى كبسولات ) من أول النعناع والعرق سوس والكراوية والبابونج  وحتى اللحمة , إذ اكتشفوا أخيراً أن اللحمة بها مواد سامة  لا بد من فصلها عن المادة الفعالة ( قبل عشر سنوات –- حين كنتُ في عَمان –- منع استيراد العرق سوس من سورية بدعوى أن فيه مواد سامة !! ) , ومع الوقت سوف يصبح الجهاز الهضمي لا عمل له ,  ومن المنتظر  في المستقبل القريب أن يقوم علماء آخر الزمان بإجراء جراحات لاستئصال الجهاز الهضمي لكونه يشكل عبئاً على صاحبه , ومن ثم سيصبح الجهاز الهرموني بغدده الصماء غير لازمة  , فيكون من المناسب ابتكار تقنيات وجراحات معينة لتخليص الناس من حمل أثقالها بلا فائدة , وحتى يجد الأطباء عملاً أكثر  وأرباحاً  أوفر  , وحتى تعمل خطوط الإنتاج بشركات الأدوية بشكل أفضل , وكله يصب في صالح رجال الأعمال أو ( الاقتصاد الوطنى ! ) , وكله من جيوب الغلابة من المطحونين !
   ولسوف يكتشف علماء الكبسلة أن الزهور والرياحين التي نشمها أصبحت تشكل خطراً علينا , بسبب المبيدات المستخدمة  , وعليه فإن علماء الكبسلة أغلقوا محلات الزهور , وسيقومون بتحويل الزهور  إلى كبسولات آمنة , ومن يضبط حاملاً وردة لإهدائها لحبيبته , سيعاقب بالحبس والغرامة , وسيكون عيد الربيع بلا زهور  ولا متنزهات لأن الناس إذا خرجوا فعليهم أن يلبسوا كمامات تحول بينهم وبين شم الزهور والرياحين الطبيعية والمضرة بالصحة , وسوف تمنع أغاني الورد وعلى رأسها ( ياورد  مين  يشتريك ) وتستبدل التحية الصباحية عند أولاد البلد (يا صباح الفل) بقولهم ( يا صباح الكبسفل ) حين يتحول الفل إلى كبسولة .!!
    وفي عصر الكبسلة .. لا يُستبعد أن يقوم علماء آخر الزمان بتحويل الإنسان إلى كبسولة حتى تنتهي معاناته , بعد أن ضاقت الكرة الأرضية بسكانها وأصبحت تحمل على ظهرها  أكثر من ستة مليارات آدمي ,  قابلة لانفجار سكاني لا حدود له , وحينما يتحول الإنسان إلى كبسولة فلن يصبح في حاجة إلى مسكن أو سرير أو خزانة ملابس أو  دورة مياه أو حتى حذاء , فلسوف تكفيه -  حين ذاك -  علبة ثقاب يقضي بها حياته مع أسرته طوال عمره المديد الذي سيصل بالآلاف ..
  ** وبالطبع .. فإن عصر الكبسلة هذا ..  ليس من بين أهدافه - كما يدعي  علماءُ الكبسلة  -  رفاهية الإنسان أو  تخفيف آلامه , ولكن أهدافَه الحقيقية والواضحة والغيرَ معلنة هو  الاتجار بآهات الإنسان واللعب على أوتار ضعفه وخوفه , وتهديده المستمر بالأمراض الفتاكة والمواد السامة , ونصب الشراك تلو الشراك من أجل الإيقاع به فريسة .. يعني استثمار  أوجاع الإنسان الغلبان الكحيان لحساب المستثمرين الكبار  وديناصورات العولمة  وشركات الأدوية العالمية التي تتاجر  بآلام العالم الثالث .                       
    فإذا  قلنا : العودة للطبيعة والتداوي بالملوخية والملفوف ... خرج علينا علماء الكبسلة واتهمونا بالجهل والتخلف , وإذا خرج أحد علمائنا من الشرفاء لينصحنا بسلوكيات غذائية ؛  وقاية أو علاجاً من  بعض أمراضنا التي لم يفلح عصر الكبسلة في القضاء عليها , انبرى علماء الكبسلة وحملوا سيوفهم وعصيهم ولوائحهم  وقوانينهم التي صنعوها لحسابهم وحساب أحبابهم  , واعتلوا المنابر العاجية من القنوات الفضائية  مهددين ومنذرين بالويل والثبور لمن يتجرأ على النيل من الكبسولة أو احتقار الكبسلة التي تحظى بالرعاية والحصانة من أول جورج بوش في  بيته الأبيض إلى خفير الدرج على أول حارتنا.
  وعلى ذلك يصبح أكل الملوخية محرماً على كل من يقربها خضراءَ غير  مكبسلة , وسوف يلجأ علماء آخر الزمان إلى وضع ضوابط لذلك من خلال تعديل الدستور , وإدخال مواد تمنع منعاً باتاً  على المواطنين التعامل مع الطبيعة ,  وخاصة الملوخية وأخواتها إلا من خلال الكبسلة , ولسوف تصبح من الجرائم التي يعاقب عليها القانون ..                                    
أقول ذلك وأشعر بألم شديد ،  وأنا أتابع ما يدور في  وسائل الإعلام , فكلما  اشتهر  عالمٌ من الذين ينادون بالعودة إلى الطبيعة ,  شنوا  عليه الحملات المأجورة من كل اتجاه , ودُبرت له المسلسلات والمسرحيات , وفُخخت له اللقاءات , وبالطبع فإن هذه الحملات المشبوهة مصدرها واحد  :  أصحاب المصالح هنا أو هناك وبعض شركات الأدوية ..                  

** استدراك لابد منه :
(( حين ندافع عن الطب البديل كعلم له مدارسه وله نظرياته  , فليس ذلك معناه إلغاء الطب الحديث أو إقصاؤه أو التقليل من أهميته , فالطب الحديث جزء من إبداع الحضارة الإنسانية وتراثها ,  قام على جهود وإسهامات لا يمكن أن ينكرها عاقل في عالم اليوم ( رغم ما به من مساوئ), وإن الطب البديل بكل أنواعه ؛ جزءٌ من هذا التراث الخالد ؛  وأصل من أصول الطب القديم , ولا يمكن لأحد أن يدعي أننا استغنينا أو نستطيع أن نستغني بالطب البديل عن الطب الحديث كلية, وقد نستغني في علاج بعض الأمراض عن الطب البديل  والطب الحديث معا , بتعديل سلوكيات غذائية خاطئة , أو إعطاء المريض عشبا بسيطا أو غذاء معينا بجرعات معينة .. وقد نحتاج في علاج بعض الأمراض إلى ذلك كله في آن واحد , وهذا وذاك يقرره الطبيب المختص , مع ضرورة التأكيد على أن منجزات الحضارة على اختلافها تتكامل ولا تتقاتل ، تتحاور ولا تتناحر..)) موسى الفقي
نشر بمجلة سرس الليان عدد نوفمبر 2009م

0 التعليقات:

إرسال تعليق